قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من ذكر السعاية في هذا الحديث.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان -يعني: العطار - حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقيصاً في مملوكه فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال، وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة:[باب من ذكر السعاية في هذا الحديث] يعني: من زاد السعاية، فالذي مر هو أن المعتق الذي أعتق شقصه إن كان له مال لزمه إعتاق الباقي، لكن إذا لم يكن له مال فقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يعمل أيضاً على العتق، وذلك بأن يستسعى العبد، بمعنى: أنه يسعى لتحصيل قيمة الجزء الباقي للشريك فيجمعها ويحصلها ثم تدفع إليه ويعتق، وهذه هي السعاية أو الاستسعاء.
والمعنى أنه: إذا كان الشريك الذي أعتق موسراً يلزمه عتق الباقي، وإن لم يكن موسراً سعى إلى تحصيل العتق بعد الرق، وذلك بأن يطلب من العبد أن يسعى في تحصيل قيمة الجزء الباقي ويدفعها للشريك الذي لم يعتق، ثم يعتق بعد ذلك.
قوله:(شقيصاً) مثل شقص، يعني جزءاً، والشقص السهم.
(في مملوكه) يعني: هو مشترك بينه وبين غيره فإن كان للمالك مال، قام بعتق الباقي ودفع المال للشريك، وإن لم يكن فإنه يستسعى العبد بأن يقوم قيمة عدل لا وكس ولا شطط ولا ارتفاع ولا انخفاض، وإنما هي القيمة التي لا زيادة فيها ولا نقصان، ويسعى العبد في تحصيل قيمة الجزء الباقي، ثم يدفع لمالكه الذي لم يحصل منه العتق.
يقول:(وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه)، فلا يكلف ولا يشق عليه في ذلك، يعني: أنه يقوم بهذا على حسب طاقته ووسعه.
والترجمة فيها إشارة إلى اختلاف الرواة؛ فمن العلماء من تكلم فيها وقال: إن هذه الزيادة ذكرها بعض الرواة دون بعض، لكن الصحيح أنها معتبرة وثابتة، وذلك أن صاحبي الصحيح أخرجاها في صحيحيهما، وجاءت عن جماعة من العلماء رووها واتفقوا على روايتها، فهي معتبرة، والأصل عدم الإدراج، وكون صاحبي الصحيح أثبتاها وأثبتها غيرهما بدون إدراج فإن هذا يدل على أنها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها حكم من الأحكام الشرعية، وهي زيادة رواها ثقات، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.