للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكر كلام صاحب عون المعبود في مصير والد النبي]

قال في عون المعبود: قال النووي رحمه الله تعالى: فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.

وكل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وآله وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى، وبعضه ضعيف جداً لا يصح بحال؛ لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه كـ الدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وفتح الدين بن سيد الناس وإبراهيم الحلبي وجماعة، وقد بسط الكلام في عدم نجاة الوالدين العلامة إبراهيم الحلبي في رسالة مستقلة له، والعلامة علي القاري في شرح الفقه الأكبر وفي رسالة مستقلة، ويشهد لصحة هذا المسلك هذا الحديث الصحيح، والشيخ جلال الدين السيوطي قد خالف الحفاظ والعلماء المحققين وأثبت لهما الإيمان والنجاة، فصنف الرسائل العديدة في ذلك، منها ((رسالة التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة)) قلت: العلامة السيوطي متساهل جداً لا عبرة بكلامه في هذا الباب، ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد، وقال السندي: من يقول بنجاة والديه صلى الله عليه وآله وسلم يحمله على العم، فإن اسم الأب يطلق على العم، مع أن أبا طالب قد ربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيستحق إطلاق اسم الأب من تلك الجهة.

انتهى).

يقصد بهذا أن حديث: [(إن أبي وأباك في النار)] يحمل فيه الأب على عمه أبي طالب، يريدون ألا يكون المقصود أباه الحقيقي الذي هو عبد الله، وإنما المقصود عمه، وعمه مات على الشرك وقد أدركه الإسلام، ولكن لم يؤمن به، وكان يعرف أن ما عليه الرسول حق، ولكن ابتلي بعزة الآباء والأجداد ومات على ذلك، كما جاء الحديث أنه لما كان في مرض موته جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا عم! قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أحاج لك بها عند الله)، فكان عنده بعض الجلساء ممن هم كفار فقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فكان آخر ما قاله: هو على ملة عبد المطلب، ومات على هذه العقيدة التي كان عليها، وهي الكفر وعبادة الأوثان.

فبعض الناس أراد أن يقول: إن المراد بالأب في هذا الحديث هو العم، ولكن الأصل أن الأب هو الأب، وإن كان قد يطلق على العم أباً كما جاء في القرآن في سورة البقرة: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة:١٣٣]، مع أن إسماعيل عم يعقوب، لأنه أخو إسحاق وليس أباه، ولكن يطلق عليه أنه أب، ولكن هذا جاء تبعاً ولم يكن استقلالاً، فالحاصل أن الأصل هو الحمل على الأصل، ولا يحمل على غيره.

ثم قال صاحب عون المعبود بعدما ذكر كلام السندي في حمله على العم: وهذا أيضاً كلام ضعيف باطل، وقد ملأ مؤلف تفسير روح البيان تفسيره بهذه الأحاديث الموضوعة المكذوبة، كما هو دأبه في كل موضع من تفسيره إيراده للروايات المكذوبة، فصار تفسيره مخزن الأحاديث الموضوعة.

وقال بعض العلماء: التوقف في الباب هو الأسلم.

وهو كلام حسن.

والله أعلم.

الدليل يدل على خلاف ما ذكره، وهو الجزم بما ثبت في صحيح مسلم بالنسبة لأبيه، وبالنسبة لأمه فقد جاء أيضاً في الصحيح سبب نزول قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة:١١٣]، أنه استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له، واستأذنه أن يستغفر لها فلم يأذن له، فنزل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة:١١٣].

وهناك حديث صحيح رواه الشيخ الألباني في صحيح الجامع: (العم والد)، بل جاء في الحديث المتفق عليه: (أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه) ويعني أنه والده من حيث الإكرام والتقدير والمنزلة، وإلا فهو من الحواشي وليس من الأصول، لأنه شارك أباه في جده، وجاء في القرآن إطلاق الأبوة عليه ولكنه أب تبعاً وليس استقلالاً، فهو بمنزلة الوالد مثل الخالة بمنزلة الأم، أي من ناحية التقدير والاحترام والتوقير والإكرام والإحسان، وهو من الحواشي في الميراث والإخوة أقرب منه، لأن الإخوة شاركوا الميت في أبيه، وأما العم فإنما شارك أباه في جده، وهو طبقة أخرى غير الطبقة القريبة.

ثم قال: قال المنذري: وهذا الرجل هو حصين بن عبيد والد عمران بن حصين، وقيل: هو أبو رزين لقيط بن عامر العقيلي).

يعني الرجل الذي سأل الرسول وقال: [(يا رسول الله! أين أبي؟ فقال: أبوك في النار، فلما قفى قال: إن أبي وأباك في النار)].

<<  <  ج:
ص:  >  >>