قوله: [(قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه)].
يعني: بذل النفس والنفيس في سبيل مقاتلة المشركين، ومعلوم أن مجاهدة المشركين إنما تكون بعد مجاهدة النفس؛ لأن من لا يجاهد نفسه لا يحصل منه مجاهدة المشركين على الوجه الذي ينبغي، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما سئل:(الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) يعني: من كان قصده إعزاز الإسلام ونصرة المسلمين، وإذلال الشرك والمشركين فهو في سبيل الله، وهذا إنما يكون بعد مجاهدة النفس، ولا يتمكن من الجهاد كما ينبغي إلا بمجاهدة النفس، وقد يوجد القتال والنكاية بالعدو وغير ذلك، كما في قصة الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)، وكان قد أثنى عليه الصحابة وقالوا: إنه عمل كذا وعمل كذا، وإنه حصل منه ما حصل من النكاية بالأعداء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(هو من أهل النار)، فتبعه أحد الصحابة لينظر ما وراءه، فوجده قد أصيب بجرح في يده فجزع فوضع أصل السيف على الأرض وذبابته على صدره وتحامل عليه فقتل نفسه، فيأتي الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ويخبرهم بالذي قد حصل، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام:(إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).
لكن هذا على خلاف الأصل، ومن النادر والقليل، ولكن الجهاد الذي يكون فيه نكاية بالعدو إنما يكون بعد مجاهدة النفس؛ لأن جهاد غير النفس تابع لجهاد النفس.