[معنى تشدد أئمة الحديث في أحاديث الأحكام وتساهلهم في أحاديث الترغيب والترهيب]
السؤال
ما معنى قول بعض الأئمة المتقدمين من علماء الحديث: إذا تكلمنا في الحلال والحرام شددنا في الأسانيد، فإذا كان الترغيب والترهيب تساهلنا.
ومعلوم أنه يحتج بالحسن لغيره في الأحكام، فهل يعني هذا أنهم يذكرون في الترغيب والترهيب ما دون مرتبة الحسن لغيره من الأحاديث الضعيفة؟
الجواب
الذي يبدو ويظهر أن الأحاديث الضعيفة لا يعول عليها في ترغيب ولا في غيره؛ لأن التعويل عليها معناه إقرار بإضافة الشيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم يثبت، والإمام مسلم رحمه الله في المقدمة ذكر أن الأحاديث الضعيفة لا يعول عليها في الترغيب ولا في الترهيب ولا في غير ذلك، وإنما يعول على ما يصح وما يثبت في جميع هذه الأشياء، ومن ذلك الترغيب والترهيب، فالعمل بها على اعتبار أن هذه سنة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز، أما إذا كان الحكم ثابتاً بنص آخر وجاء الحديث الضعيف شاهداً أو موافقاً لشيء قد صح فالعبرة بما صح، ويكون الحديث الضعيف قد وافق ما هو صحيح، فيكون له أصل، لكن ليس التعويل عليه.
مثل صلاة الجماعة، فالأحاديث التي دلت على وجوبها كثيرة وصحيحة، وجاءت أحاديث ضعيفة تدل على وجوب الجماعة، فهناك أصل لهذا الضعيف والمعول على الحديث الصحيح، أما إذا كان الحديث ما وجد إلا من طريق ضعيف، مثل صلاة الرغائب أو تخصيص أول جمعة من رجب ببعض الأفعال التعبدية، فإنها ما جاءت إلا من طريق ضعيف، فهذه لا يعمل بها ولا يجوز العمل بها لأن إضافة ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم معناها إضافة شيء غير ثابت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعمل به على أنه جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو لم يثبت عنه.
ولعل المقصود بالجملة المنقولة عن السلف أن مسألة الحرام والحلال كانوا يعتنون بها؛ لأنه يترتب عليها تحليل فروج وتحريم فروج، وإحلال شيء وتحريم شيء وما إلى ذلك، بخلاف أحاديث الترغيب والترهيب، فإنهم لا يولونها من العناية مثلما يولون تلك التي يترتب عليها تحليل وتحريم، لكن لا يعني ذلك أنهم يستجيزون العمل بحديث ضعيف لم يأت موضوعه الذي دل عليه الحديث إلا من ذلك الطريق الضعيف.