للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (المرأة تحوز ثلاثة مواريث)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ميراث ابن الملاعنة.

حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا محمد بن حرب حدثني عمر بن رؤبة التغلبي عن عبد الواحد بن عبد الله النصري عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عنه)].

أورد أبو داود باب ميراث ابن الملاعنة، وهي التي لاعنها زوجها وكانت حاملاً، وادعى الزوج أنه من زنا، وحصلت الملاعنة، وفرق بينهما، وصار الوالد بريئاً منه فلا ينسب إليه؛ لأنه انتفى منه باللعان، ولكنه مضاف إلى أمه؛ فيكون التوارث بينه وبين أمه؛ لأن نسبه إليها ثابت، وهي أمه وتدعي أنه من زوجها، وزوجها يدعي أنه ليس منه، واللعان فرق بينهما، فأضيف إلى أمه وبرئت منه ساحة الزوج بعد الملاعنة.

وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال: إن التوارث بين ابن الملاعنة وبين أمه كما ترث أبناءها الذين لهم أب، ومنهم من قال: إنها تحوز ميراثه وتستقل به، وتكون له بمثابة العصبة؛ لأن العصوبة من جهة الأب ذهبت، ولم يثبت له نسب إلى الأب، فصارت هي بمثابة أبيه وأمه، فصار ميراثها منه مثل ميراث المعتقة التي ترث المال كاملاً وتستقل به.

إذاً: من أهل العلم من قال: إنها ترث ما تستحقه كما ترث أبناءها الذين هم من آباء ثبتت أنسابهم، ومنهم من قال: ترثه كما يرث أصحاب التعصيب، وأنها كالمعتقة، بمعنى: أنها تستقل بالميراث؛ لأن النسب انقطع من جهة الأب فصار النسب من جهة الأم، فصارت بمثابة الأب والأم، فكانت هي المعصبة، فتكون أولى من غيرها، وإذا كان له أبناء أو زوجة فإنهم يرثونه، وعلى هذا القول فإنها تأخذ ما أبقت الفروض، ولا يفرض لها شيء على اعتبار أنها معصبة.

وهذا الحديث بهذا اللفظ يدل على ذلك؛ لأنه قال: (تحوز)، ومعنى ذلك: أنها تستقل بميراث عتيقها، وهذا متفق عليه بلا خلاف: أن المرأة المعتقة تحوز ميراث عتيقها؛ لأنها صاحبة النعمة عليه، وليس في النساء من ترث تعصيباً بالنفس إلا المعتقة، فإنها تحوز جميع الميراث، مع أن العصبة كلهم ذكور، ولكن من النساء من ترث بالتعصيب وهي المعتقة، ولهذا يقول الرحبي: وليس في النساء طراً عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة وهي المعتقة؛ فإنها تحوز الميراث.

فالحديث يدل على أنها تحوز ميراث ابنها الذي لاعنت عليه وتستقل به.

قوله: (ولقيطها)، اللقيط هو الذي التقط ولا يعرف أبوه ولا أمه، وإنما التقط من الطريق، وقامت هي بتربيته وتنشئته والإحسان إليه، فتحوز ميراثه، لكن المعروف عند العلماء: أن اللقيط حر، وأنه لا يعرف له نسب، ولا يعرف له ولاء، والإرث إنما يكون بالنسب والولاء، وهذان غير موجودين، فلا تكون وارثة للقيطها، وإن وجد له من يرثه من أولاد أو زوجة فإن ميراثه لهم، وتلك التي أخذته وأحسنت إليه لا تعتبر وارثة له، يقول ابن القيم: لو صح الحديث فإن ميراثها للقيطها له وجه، قال: وإحسانها إليه بكونها التقطته وهو صغير وربته ونشأته فإن هذه النعمة ليست أقل من نعمة عتقه مملوكاً، فإن هذه نعمة عظيمة وتلك نعمة عظيمة، فقال: لو صح الحديث لكان له وجه ولكان القياس أنها ترث.

وقد ضعف الحديث بسبب عمر بن رؤبة التغلبي، وأنكروا عليه رواياته عن عبد الواحد بن عبد الله النصري، وقد روى له أصحاب السنن هذا الحديث فقط، وهو من طريق عبد الواحد، وهو مما أنكر عليه.

واللقيط هو الذي فيه الإشكال، وأما العتيق فبالإجماع أنها تحوز ميراثه، وكذلك الذي لاعنت عليه متفق مع الحديث الذي بعده، لكن الذي انفرد به هذا الحديث هو اللقيط، واللقيط حر ليس لأحد لا من ناحية النسب ولا من ناحية الولاء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>