حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته (أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: ترخي شبراً.
قالت أم سلمة: إذاً: ينكشف عنها! قال: فذراعاً لا تزيد عليه)].
قوله:[في قدر الذيل] أي: في بيان مقدار الذيل الذي ترخيه المرأة من ثوبها.
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها (لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإزار) يعني: في حق الرجال، قال:(ومن جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه) قيل: إن هذا من نصف الساق، قالت: إذا ينكشف عنها! قال: ترخي ذراعاً، يعني: شبرين، فتكون بذلك قد غطت قدمها ومعنى ذلك أنها تجر هذا الشيء الذي رخص لها فيه مما يستر قدمها ويزيد على ذلك، فإنها تجر ذلك الذيل الزائد على ستر قدميها، لأنها قالت:(إذاً: تنكشف رجلها) ومعنى هذا أن المرأة لا يجوز لها كشف رجليها.
وهذا الحديث من الأدلة الواضحة الجلية على وجوب ستر الوجه، لأنه إذا كانت الشريعة جاءت بتغطية الرجل فالوجه أولى منها بالتغطية؛ لأن الفتنة في الوجه أكثر منها في الرجل، بل لا نسبة بين الفتنة بالوجه والفتنة بالرجل، والناظر إلى المحاسن أول ما ينظر إلى الوجه، لا إلى الرجل.
فهذا من أوضح الأدلة الدالة على أن الحجاب واجب وأنه متعين، لأن النساء إذا كن قد أمرن بأن يغطين أرجلهن وألا يكشفن أرجلهن للرجال الأجانب فمن باب أولى أن يغطين وجوههن، وهذا من جملة الأدلة العديدة الدالة على وجوب ستر الوجه وعدم كشفه للرجال الأجانب.
قوله: [(فذراعاً لا تزيد عليه)].
لأنه إذا حصلت زيادة فمعناه أن فيه إضاعة للمال؛ لأنها ستسحب في الأرض شيئاً كثيراً فيكون في ذلك إتلاف للمال، وإتلاف لذلك الثوب الذي يستعمل.
وهذا المقدار إنما هو لطرف الثوب من المؤخر فقط، وكما هو معلوم أن السحب سيكون من الوراء؛ لأنه لو كان من قدام لتعثرت به، ولكنه من الأمام يكون بحيث يغطي قدميها فلا ترى؛ لكن لا يطول أكثر بحيث تتعثر به، أما من الخلف فنعم.