للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك.

حدثنا القعنبي قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات)].

قوله: [باب في المسلم يموت في بلاد الشرك]، أي: أنه يصلي عليه المسلمون صلاة الغائب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ النجاشي، فإنه -كما في حديث أبي هريرة هذا- نعى النجاشي إليهم في اليوم الذي مات فيه) أي: أخبرهم بوفاته في اليوم الذي مات فيه، فقد أطلعه الله عز وجل على ذلك، فأخبرهم بذلك في نفس اليوم، وهذا من علامات صدقه صلى الله عليه وسلم، فكونه يخبر عن شيء غائب وبعيد عنه فإنما يكون ذلك عن طريق الوحي، فهذا لا يحصل في الزمن الماضي إلا عن طريق الركبان، وذلك لا يكون إلا بعد مضي مدة طويلة، وأما في هذا الزمان فالخبر يصل في لحظة بواسطة الاتصالات التي هيأها الله للناس في هذا الزمان، ولكن في زمنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على ذلك، فنعاه) أي: أخبرهم بوفاته، والنعي منه ما هو جائز مثل هذا الإخبار، ومنه ما هو محرم، كما كان في الجاهلية من ركوب ركبان يطوفون ويقولون: مات فلان، ويعدون محاسنه.

(وخرج بهم إلى المصلى، وكبر عليه أربعاً) وهذا يدل على مشروعية الصلاة على الغائب، والحديث واضح الدلالة على ذلك، وليس هذا خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو له ولأمته، ولهذا أمر الناس أن يصلوا معه.

وقال بعض أهل العلم من المالكية: إن هذا من خصائصه، فليس للأمة أن تصلي على أحد غائب، وأن الذي حصل من الصلاة على النجاشي إنما هو من خصائصه، وقالوا: إن الجنازة أحضرت له وشاهدها وعاينها، والله قادر على ذلك، والصحابة رضي الله عنهم لم يطلعوا عليها.

ولكن هذا من الأمور التي لا تعرف إلا عن طريق الدليل، والتي لا تثبت إلا بالنص.

ومن أهل العلم من قال: إنه لا يصلى عليه إلا إذا لم يصل عليه في تلك البلد، ولم يأت شيء يدل على أن النجاشي قد صلي عليه في بلده، فلذلك صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال بعض أهل العلم: إنه يصلى صلاة الغائب على كل من له منزلة ومكانة، فـ النجاشي كانت له منزلة ومكانة، وليس هناك دليل يدل على أنه لم يصل عليه في بلده، وليس هناك ما ينفي ذلك، نعم، إذا جاء شيء يدل على أنه لم يصل عليه وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك فيمكن أن يصلى عليه لأنه لم يصل عليه في بلده، وأما إذا لم يأت ما يدل على ذلك فلعله صُلي عليه لعلو مكانته ومنزلته.

وهذا الحديث من الأدلة الكثيرة التي فيها أن التكبير على الجنازة يكون أربع تكبيرات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>