للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث شكوى الجمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي حدثنا ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً أو حائش نخل، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله! فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه)].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أحدث به)، ومعنى ذلك أنه حديث خاص وسر، وليس من قبيل الأحكام الشرعية التي يجب بيانها للناس، وهو من جنس السر الذي كان حصل مع أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال لأمه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلي في حاجة فقالت: وما حاجته؟ قال: إنها سر قالت: لا تفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: هذا لا يقال إنه من قبيل التشريع أو من قبيل الأحكام الشرعية التي يحتاج الناس إليها، وإنما هو من قبيل شيء خاص لا علاقة له بالتشريع كالذي حصل لـ أنس بن مالك في الحديث الذي أشرت إليه.

قوله: [(أردفني رسول الله)].

يعني: على دابة، وهذا فيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة.

قوله: [(وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل)].

يعني: عندما يقضي حاجته يستتر بشيء يستره عن الأنظار، والهدف شيء شاخص، أي: قائم مرتفع يستتر به، (أو حائش نخل)، وهو النخل الملتف المتقارب بعضه من بعض، بحيث إن الإنسان إذا جلس وراءه فإنه يستتر به، بخلاف ما إذا كانت النخلة لا يوجد إلا ساقها وساقها دقيق فإنه لا يستر كما ينبغي وإن كان يحصل به الستر، لكن ليس مثل الشيء الملتف الذي هو المشتبك بعضه ببعض.

قوله: [(فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه)].

يعني: ذلك الجمل، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل عن صاحب الجمل قال: (من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار وقال: لي يا رسول الله! قال: ألا تتقي الله، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) معناه: أنه لا يطعمه، ومع ذلك يدئبه من الدأب وهو العمل عليه باستمرار وبدون غذاء، يعني: لا يغذيه ويتعبه في العمل والكد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإحسان إلى هذه البهيمة، وأن الإنسان يعطيها ما تستحقه من الغذاء والطعام، كذلك أيضاً لا يكلفها ما لا تطيق، وإنما يستعملها في شيء تكون له مطيقة.

قوله: [(فإنه شكا إلي)].

وهذا من دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، كون الجمل شكا إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع منه هذه الشكوى، وفهمها منه.

وقوله: (فأتاه النبي)، يعني: هذا البعير (ومسح ذفراه)، المقصود: مؤخرة الرأس و (ذفرا) لفظ مفرد على صيغة التأنيث مثل: ذكرى، وليس مثنى بحيث يقال: ذفريه.

قوله: [(فسكت)] فسكت ذلك البعير عندما مسح عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه شكوى فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.

قال صلى الله عليه وسلم (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياه).

أي: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي جعلها لملكك وتحت تصرفك، فعليك أن تتقي الله فيما تملك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>