لا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بالرؤى، لكن إذا حصلت له رؤيا وأمكنه تعبيرها فإنه يعبرها، وإن لم يعبرها ووثق في أحد وسأله عبرها له، وإن كان فيها شيء لا يعجبه فيأخذ بالآداب التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يشغل نفسه بالرؤى وتعبيرها، فإنه قد يشتغل بذلك عما هو أهم منه.
والعلماء ما كانوا يحرصون على الاشتغال بالرؤى، ولكن يمكن للإنسان أن يستنتج ويفهم مثل ما عمل ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) فإنه عندما جاء عند ذكر التشبيه والقياس، ذكر أن الرؤى تعرف عن طريق التشبيه وعن طريق القياس، ثم ذكر جملة من الرؤى، بناء على إلحاق الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير، وذلك عند ما شرح كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري؛ لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري كتاباً في القضاء يتكون من صفحة واحدة، وشرحه ابن القيم في مجلد من إعلام الموقعين، وكان من جملة ما جاء فيه أنه أتى بالأمثال التي ضربت في القرآن من أوله إلى آخره، وتكلم على تلك الأمثال، ثم تكلم على الرؤى والاستنتاج، وأن تعبير الرؤى يمكن أن يعرف عن طريق ضرب الأمثال، وذكر كلاماً كثيراً حول تعبير الرؤى في ذلك الموضع.
لكن كون الإنسان يشتغل بالرؤى وتعبير الرؤى فهذا يحتاج إلى وقت ليبحث ويقرأ عن فلان وعن فلان؛ ولهذا نجد الآن بعض المعبرين الذين تصدوا للتعبير سوقهم رائجة، والناس يشغلونه أكثر مما يشغلون العلماء في مسائل الدين وفي مسائل الفقه والأمور التي يحتاجون إليها في أمور دينهم، وما أكثر من يسأل عن الرؤيا، يتصل بالهاتف يريد أن يسأل عن رؤيا، أما أنا فليس عندي سوى جواب واحد: أني لا أعرف تعبير الرؤيا، فإذا سألني أحد وقال: أريد أن أقص عليك رؤيا، أقول له: لا تقص علي، فأنا لا أعرف تعبير الرؤى، ولا أريد أن أبحث ولا أريد أن أشغل نفسي بتعبير الرؤيا.
وأذكر أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى سمعته مرة من المرات في الإذاعة في سؤال في برنامج نور على الدرب، سألته امرأة فقالت: رأيت أن لي لسانين، قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا، لكن قد يكون عندك لغتان؛ لأن اللسان يطلق على اللغة، فهذا كتاب لسان العرب لـ ابن منظور يعني: لغة العرب، والله تعالى يقول:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[إبراهيم:٤] يعني: بلغة قومه، فاللسان يأتي بمعنى اللغة.
فهو رحمه الله قال: قد يكون عندك لغتان أو ستحصلين على لغتين، ولم يحدد، بل قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا؛ لأنه لا يريد أن يشغل نفسه في هذه الأمور، لأنها تشغله عما هو أهم منها، مثل الذي ينشغل بالشعر ويهتم به ويصير هو ديدنه فإنه ينشغل عما هو أهم منه.