[شرح حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق من طريق ثالثة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس وأبي حسان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتي في رجل -بهذا الخبر-، قال: فاختلفوا إليه شهراً -أو قال: مرات- قال: فإني أقول فيها: إن لها صداقاً كصداق نسائها لا وكس ولا شطط، وإن لها الميراث وعليها العدة، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان.
فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا: يا ابن مسعود! نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق -وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي - كما قضيت.
قال: ففرح عبد الله بن مسعود فرحاً شديداً حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى وفيه التفصيل في القصة، حيث ذكر فيه أن ابن مسعود رضي الله عنه كانوا يختلفون عليه شهراً، يترددون عليه وهو يؤخرهم حتى يجتهد ويبحث لعله يجد نصاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فلما رأى المدة طالت وهم بحاجة إلى أن ينفذوا الشيء الذي لابد من تنفيذه اجتهد وقال بعد اجتهاده: أقول فيها كذا، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من ذلك.
فقام جماعة من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بمثل ما قضيت في بروع بنت واشق.
ففرح فرحاً شديداً لموافقة قضائه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومثل هذه القصة ما حصل لـ عمر رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام وكان وقع فيها الطاعون، فلقيه أمراء الأجناد وفيهم أبو عبيدة بن الجراح، فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في المشورة عليه، فبعضهم أشار عليه بأن يدخل وبعضهم أشار عليه بأن يرجع، فالذين أشاروا عليه بالدخول قالوا: لقد جئت لغرض فامض إليه، ولا تفر من قدر الله.
والذين أشاروا عليه بالرجوع قالوا: لا تعرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للموت.
أي: بسبب الطاعون.
فاستشار عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار فاختلفوا كذلك، فبعد ذلك استقر رأيه على أن يرجع، فقال: إني مصبح على ظهر.
فقال له أبو عبيدة: تفر من قدر الله؟! قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله.
وكان عبد الرحمن بن عوف معهم ولكنه ما كان حاضراً وقت المشاورة، فلما علم بهذا الذي حصل قال: عندي علم فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض لستم فيها فلا تدخلوها) ففرح عمر رضي الله عنه بموافقة اجتهاده ما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.