قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟ حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - أن الجلاح مولى عبد العزيز حدثه أن أبا سلمة -يعني: ابن عبد الرحمن - حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(يوم الجمعة ثنتا عشرة -يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي:[باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟] يعني: من ساعات يوم الجمعة، وسبق أن مر حديث:(وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يصلي لله عز وجل يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) فأية ساعة هذه من ساعات يوم الجمعة؟ فالمراد تعيين وقت هذه الساعة التي هي ساعة الإجابة.
قوله: [(لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً)] يعني: في ساعة من ذلك اليوم كما يشير إليه آخر الحديث حيث قال: (فالتمسوها)، فليس المقصود أن كل اليوم هو ساعة إجابة، وإنما ساعة من اثني عشرة ساعة، وقوله:(فالتمسوها في آخر ساعة يوم الجمعة) يدل على أن ساعة الإجابة أرجاها وأولاها الساعة الأخيرة لدلالة هذا الحديث عليها، وقد مرت الإشارة إليه في حديث أبي هريرة عند كلام عبد الله بن سلام له لما أخبره بالذي جرى بينه وبين كعب الأحبار، وقال عبد الله بن سلام: إني أعلم أية ساعة هي، وأخبره بها، فحديث جابر يدل على أنها آخر ساعة في يوم الجمعة، وهذا أقوى وأصح ما قيل فيها.
وقوله:(ثنتا عشرة ساعة) يدل على أن النهار مقداره ثنتا عشرة ساعة، ومعلوم أن النهار في اصطلاح الشرع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وليس من طلوع الشمس إلى غروبها؛ ولهذا فإن صيام الأيام إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل أيضاً ثنتا عشرة ساعة، لكن الساعات ليست مستقرة ثابتة على طول الأيام، وإنما تزيد وتنقص بطول اليوم وقصره، فمعنى هذا: أن الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقسم إلى اثني اثنا عشر جزءاً، وجزء من هذه الاثنا عشر هو مقدار الساعة التي جاء ذكرها في هذا الحديث، فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنة كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة، وأحياناً يكون العكس، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره، لكن في هذا الحديث:(النهار اثنتا عشرة ساعة) سواءً في الشتاء أو الصيف، سواء طال النهار أو النهار، فتقسم اليوم في كل وقت على اثنتي عشرة ساعة، فتنقص الساعة وتزيد، وبالتوزيع عليهما يختلف مقدار الساعة من وقت لآخر، فمقدار الساعة في الصيف حيث يطول النهار أطول من الساعة في الشتاء حيث يقصر النهار.
وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة، والليل اثنتا عشرة ساعة، وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه: فقه اللغة، فذكر ساعات الليل وساعات النهار وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، ولكن في اصطلاح الشرع النهار يبدأ بطلوع الفجر، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه أبي داود أنه ذكر عند غسل الجمعة أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر.
فعلى هذا تكون ساعة الإجابة آخر جزء من اثنتي عشر جزءاً، وقد تطول في الصيف وتقصر في الشتاء على حسب توزيع مجمل الساعات.