للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا زهير عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر السبتان بالسبة)].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من أكبر الكبائر استطالة الرجل المسلم في عرض أخيه بغير حق)، وهذا مثل الذي قبله الذي قال فيه: (إن من أربى الربا)، وهنا قال: (من أكبر الكبائر)، وكل هذا يدل على خطورتها، والربا هو من أكبر الكبائر، وإذا كان هذا من أربى الربا فمعناه أنه من أشده وأقبحه، وأنه متناهٍ في القبح والخبث.

وقوله: (استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق) ذكر الرجل في الحديثين وفي غيرهما ليس له مفهوم؛ فهو يشمل المرأة كذلك، فاستطالة المرأة في عرض المرأة واستطالة الرجل في عرض المرأة، والمرأة في عرض الرجل، كله سواء، وإنما جاء ذكر الرجل لأن الغالب أن الخطاب للرجال، وإلا فليس له مفهوم بمعنى أن النساء تختلف عن الرجال في ذلك، بل النساء والرجال في ذلك سواء، والأحكام التي تكون للرجال هي للنساء، ولا يفرق بين الرجال والنساء إلا فيما جاءت السنة فيه بالتفريق، بأن يقال: النساء لهن كذا، والرجال لهم كذا، مثل حديث: (ينضح من بول الغلام ويغسل من بول الجارية)، ومثلما يتعلق بالأمور الخمسة التي فيها المرأة على النصف من الرجل، وهي: الدية، والعتق، والعقيقة، والميراث، والشهادة.

فهذه الأمور تختلف النساء فيها عن الرجال، وإلا فإن الأصل هو التساوي بين الرجل والنساء في الأحكام، فإذا جاء ذكر الرجل في حديث وليس ذلك من خصائص الرجل أو يختص بالرجال، فإن المرأة مثله، وهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) وكذلك المرأة، وكذلك حديث: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) وكذلك لو وجده عند امرأة قد أفلست أو العكس.

وقوله: (ومن الكبائر السبتان بالسبة) أي: كون الإنسان عندما يعاقب يزيد في العقوبة، فإذا سب بسبة واحدة يأتي بسبتين، فيأتي بالكلمة التي قالها وزيادة، أو يأتي بسبتين بدل الواحدة، وعلى الإنسان إذا عاقب أن يعاقب بمثل ما عوقب به ولا يزيد، وإن ترك العقوبة فهو خير له، وهو أولى؛ لقوله عز وجل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:١٢٦] أما أن يزيد في العقوبة، ويزيد في السب، فإن هذا غير سائغ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>