للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يأمر بالعفو في الدم.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)].

قوله: [باب الإمام يأمر بالعفو في الدم] أي: أنه يشفع إلى أولياء القتيل من أجل أن يعفوا عن القاتل.

وهذا يبين أن القصاص ليس كالحدود التي لابد من تنفيذها، وأنه لا يشفع فيها لا من جهة الإمام ولا من جهة غيره، فإذا وصلت إلى الإمام فلا شفاعة في الحدود؛ ولهذا جاء في الحديث الذي سبق في حق أسامة بن زيد: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار.

فهذا يبين أن القصاص ليس من هذا القبيل؛ وذلك أن الحق في القصاص للمخلوق، فله أن يتركه ويتنازل عنه، ولغيره أن يشفع عنده حتى يتنازل عنه.

ولهذا اختلف العلماء هل يقال له: حد أو لا؟ ولو قيل: إنه من الحدود، فإنه مستثنى من منع الشفاعة فيه، بل الشفاعة فيه سائغة، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الترغيب في ذلك.

وقد أورد أبو داود حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(من أصيب بقتل)] وهو إزهاق النفس.

قوله: [(أو خبل)] الخبل هو الجرح.

قوله: [(فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية)] يعني: إذا كان القاتل قتل عمداً فيقتص أولياء القتيل من القاتل فيقتل، أو يحصل العفو منهم فيتركونه دون أن يقتلوه ودون أن يأخذوا منه دية، أو يأخذوا منه دية.

وسواءً كانت تلك الدية هي المقدرة أو أكثر منها؛ لأن أخذهم للدية هو مقابل تنازلهم عن حق لهم، وإذا لم يعطوا ما يريدون فلهم أن يقتلوا القاتل قصاصاً، وإذا طلبوا شيئاً وأعطوا إياه فإنه يسقط حقهم في القتل قصاصاً.

قوله: [(فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه)] أي: إذا طلب شيئاً أكثر مما حدد له وقدر، وهو أحد هذه الأمور الثلاثة، أو حصل منه اعتداء أو شيء لا يجوز الإقدام عليه، فيؤخذ على يده ويمنع، وليس إلا أحد هذه الأمور الثلاثة فقط.

قوله: [(ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)] أي: بعدما يأخذ حقه أو يتنازل عن حقه، سواء القصاص أو الدية، أو عفا عنهما، ثم عاقب فإنه يكون معتدياً، وللمعتدي عذاب أليم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>