قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يكلم الرجل في خطبته.
حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قال: (اجلسوا، فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال يا عبد الله بن مسعود).
قال أبو داود: هذا يعرف مرسلاً، إنما رواه الناس عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومخلد هو شيخ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة:[باب الإمام يكلم الرجل في خطبته] يعني أن الخطيب له أن يكلم أحد الناس في خطبته، ولا مانع من ذلك، وأيضاً لا مانع من أن يكلم أحد الناس الخطيب كما في قصة الذي دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال:(يا رسول الله! هلكت الأموال، ادع الله أن يغيثنا) فمخاطبة الإمام وقت الخطبة لا بأس به؛ لأن المحذور هو الكلام والخطيب يخطب؛ لأن هذا فيه تشاغل عن الخطبة، وأما كون الخطيب يكلم أحداً من الناس أو أحدهم يكلم الخطيب فلا مانع منه، وقد جاء في السنة ما يدل عليه، وقد جاء في ذلك أحاديث منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على المنبر يوم الجمعة فقال: [(اجلسوا)] وكان ابن مسعود رضي الله عنه بالباب، فلما سمع ذلك جلس في مكانه، أي: مبادرةً إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فرآه رسول الله فقال: [(تعال يا ابن مسعود وهذا مخاطبة منه لـ عبد الله بن مسعود حيث طلب منه أن يأتي.
وهذا الصنيع من عبد الله بن مسعود يدل على فضله ونبله، وعلى مبادرته لامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من المبادرة إلى الاستسلام والانقياد لما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ومحل الشاهد منه كون الرسول صلى الله عليه وسلم قال في أثناء الخطبة: [(تعال يا عبد الله بن مسعود)] ففيه أن الإمام له أن يكلم أحداً من الناس أثناء الخطبة، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، ومنها الحديث الذي سيأتي وهو حديث الرجل الذي دخل يوم الجمعة المسجد فجلس ولم يصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(يا فلان! أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما) فهذا كلام من الخطيب لأحد الناس، وكذلك الرجل الذي جاء يتخطى رقاب الناس فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:(اجلس فقد آذيت) فحصول الكلام من الخطيب لبعض الناس جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام غيره معه أيضاً جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قصة الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستغيث وأن يدعو الله للناس بأن يغيثهم وينزل عليهم المطر.