للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث (السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً)

قال المصنف رحمه الله: [حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع)].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها.

قوله: [(السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة) ألا يعود مريضاً قصداً، وأما إذا مر به وسأل عنه فهذا لا بأس به، وكذلك لا يشهد جنازة.

قوله: [(ولا يمس امرأة ولا يباشرها)].

يعني: لا يباشرها ولا يجامعها، وقد جاء في القرآن: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:١٨٧].

فالمسيس يراد به الجماع، والمباشرة يراد بها التقاء البشرتين بتلذذ، وأما إذا كان حصل بدون ذلك فقد مر في حديث عائشة أنها كانت ترجل شعره صلى الله عليه وسلم، وتمسه، وكانت حائضاً.

قوله: [(ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه)].

يعني: كونه يخرج لقضاء حاجته فيقضيها ويتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد؛ لأن هذا لا يكون إلا في خارج المسجد.

والطعام يؤتى به إليه ويأكله في المسجد ولا يكون من الحاجة.

قوله: [(ولا اعتكاف إلا بصوم)].

يعني: أن الاعتكاف يكون معه صوم، وأنه لا يكون بدون صوم، وهذا يقال إذا كان يحتمل فيه الرفع، وأن يكون ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا يكون الصيام مع الاعتكاف، وأن الاعتكاف لا يكون بصيام، ويحتمل أن يكون منها إفتاء بما تفهمه من الشرع، وعلى هذا يكون النظر فيما جاء عنها وجاء عن غيرها من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والعلماء اختلفوا في هذا، فمنهم من قال باعتبار الصوم، وأنه لا يكون الاعتكاف إلا بصوم، ومنهم من قال: يكون بدون صوم، كما أنه يكون في ليلة من الليالي، والليل ليس فيه صيام، وقد سبق أن مر في حديث عائشة أن النبي اعتكف العشر الأول من شوال وليس فيه ذكر الصيام، وهذا لو كان مرفوعاً فالأمر واضح في ذلك، ولكنه محتمل؛ لأنه جاء من بعض الطرق أنه ليس فيه: (من السنة) وكلمة: (من السنة) تضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدونها معناه يصير من كلامها واجتهادها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولكن لا شك أن كون الإنسان إذا كان اعتكافه ليس خاصاً في الليل بأن يكون أكثر من ليلة فالأحوط له أن يكون بصيام دفعاً للاحتمال والاشتباه، ووجود شرط الصوم ما هناك دليل واضح يدل عليه إلا هذا الحديث، والحديث محتمل بأن يكون مرفوعاً وأن يكون غير مرفوع، ولكن قطع الشك باليقين، والأخذ بالاحتياط بأن الإنسان يصوم، لا شك أن هذا من باب: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

قوله: [(ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع)].

يعني: في مسجد جامع، والجامع إنما أن يراد به الذي تقام فيه الجماعة أو المقصود به الجمعة والجماعة، وعلى كل فيمكن أن يعتكف الإنسان في أي مسجد تقام فيه الجماعة، وإذا جاءت الجمعة يذهب إليها، والذهاب إلى الجمعة لا يؤثر على اعتكافه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>