من فهم أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: الزكاة حق المال، والحديث الذي ذكره عمر رضي الله عنه فيه:(إلا بحقها) فبين أن الزكاة من جملة الحق الذي يندرج تحت هذا الحديث، فمن امتنع من الزكاة فإنه يقاتل، وإذا كان جحدها واعتقد أنها ساقطة الوجوب فإن ذلك ردة وكفر، وكذلك جحود غيرها كالصيام والحج وغير ذلك من الأمور، فإن جحد وجوبها يكون كفراً.
وأما إذا ترك الزكاة على سبيل التهاون لا على سبيل الجحود فإن هذا لا يكون كفراً، وقد جاء ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي فيه:(ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى به جنبه وظهره وجبينه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:(إما إلى الجنة) يدل على عدم كفره؛ لأن الكافر لا سبيل له إلى الجنة، بل ليس أمامه إلا النار.
والذي يترك الزكاة تهاوناً تؤخذ منه قهراً، ولا يكون كافراً، وأما من يجحد وجوبها فإن هذا يكون مرتداً، ويقتل على ردته.
والذي قاله عمر أخيراً ليس تقليداً لـ أبي بكر كما يقوله بعض المخذولين، بل بين له أبو بكر معنى الحديث، وأن الزكاة من حق الشهادتين، وأن من تركها يستحق المقاتلة، فعند ذلك فهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وتابع أبا بكر لا تقليداً له، ولكن تابعه بعد أن اتضح له أن الذي أقدم عليه أبو بكر هو الحق.
وقوله:(والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه) قيل: المراد به عقال البعير، والمقصود من ذلك ليس العقال، وإنما المقصود البعير الذي يعقل بالعقال، وكان البعير إذا زكي به يعطى معه عقاله.
وقيل: المقصود بالعقال زكاة عام، وقد جاء عن بعض أئمة اللغة تفسير العقال بزكاة عام، ولكن جاء في حديث أبي هريرة أنه قال:(لو منعوني عناقاً كان يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها) فبعض أهل العلم قال: ذكر العقال شاذ، والمحفوظ هو العناق، ومنهم من قال: إن كلا الروايتين صحيحة، ولكن يحمل العقال على أن المقصود به البعير الذي يعقل بالعقال أو أن المقصود به زكاة عام.
والعناق هي التي لم تبلغ سنة، ولا يصح أن يزكى بها، والذي يعطى في الزكاة لا بد أن يكون مما أكمل سنة، ففسر بأن المقصود إذا بلغت الغنم نصاباً، وكانت كباراً وصغاراً، وبدأ الحول من حين بلغت نصاباً، ولكن ماتت الأمهات أثناء الحول وعند انتهاء الحول لم تبلغ نصاباً كباراً، وإنما كانت سخالاً، فيكون أخذ العناق من جملة العدد الذي وجبت فيه الزكاة؛ لأن الزكاة تؤخذ من المال الذي وجبت فيه.