قوله: [(فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء:٢٩] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً)].
المقصود بقوله:(سمعت الله يقول) سمعت كلام الله عز وجل ورأيت كلام الله سبحانه وتعالى والذي ينص على أن الإنسان لا يقتل نفسه، وأن ذلك يكون فيه قتل للنفس.
وستأتي قصة الرجل الذي أصابته شجة واحتلم وسأل وقيل له:(ما نعلم إلا أنك تغتسل، فاغتسل ومات بسبب ذلك، فلما بلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال).
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(إذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة:١٠٤] فأرع لها سمعك؛ فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه) وهذا السماع إنما هو سماع للقرآن إما من غيره أو كونه يقرأ لنفسه.
ومن المعلوم أن المقصود بالسماع من الله، أي: سماع كلام الله، وسبق أن ذكرت الأثر المروي عن عبد الله بن داود الخريبي الذي ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو في قول الله عز وجل:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام:١٩] قال: إن هذه الآية أشد آية على أصحاب جهم؛ لأن الله تعالى يقول:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام:١٩] قال: فمن بلغته هذه الآية فكأنما سمع كلام الله.
يعني: كأنه سمعه من الله، وكما هو معلوم أن الناس لا يسمعون من الله، وإنما الذي سمع الوحي من الله ونزل به على محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هو جبريل عليه السلام، والذي سمع كلام الله من الله هو موسى بن عمران كليم الرحمن عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:١٤٣] فهو سمع كلام الله من الله، وكذلك نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج فإنه سمع كلام الله من الله، ولهذا فكما أن موسى بن عمران كليم الرحمن فإن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام هو أيضاً كليم الرحمن، وكما أن إبراهيم خليل الرحمن، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن، فاجتمع فيه ما تفرق في غيره، الخلة لإبراهيم والتكليم لموسى والخلة والتكليم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.