للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على من قتلته الحدود.

حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر حدثني نفر من أهل البصرة عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل على ماعز بن مالك رضي الله عنه ولم ينه عن الصلاة عليه)].

قوله: [باب الصلاة على من قتلته الحدود]، أي: من قتل في حد؛ لأنه لما ذكر في الترجمة السابقة الصلاة على قاتل نفسه، وأن الإمام لا يصلي عليه؛ من أجل التأديب والزجر للناس حتى لا يقعوا في الأمور المحرمة، أورد بعد ذلك الصلاة على من قُتل حداً، كمن قتل بحد الزنا، أو حد القصاص، وغير ذلك من القتل بالحق، فهل يصلى عليه أو لا يصلى عليه؟ أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يصل على ماعز) وقد زنى ورجم، (ولم ينه عن الصلاة عليه)، أي: أنه لم يصل عليه هو، وأما غيره فقد صلى عليه، وهذا يدل على أن كل مسلم يُصلى عليه، وأنه لا تُترك الصلاة عليه نهائياً بحيث يدفن دون أن يصلى عليه، فلابد من الصلاة على المسلم، ولكن قد يترك الإمام أو من له شأن عند الناس الصلاة على من قام ببعض الأعمال كقتل النفس، أو من ارتكب أمراً محرماً وأقيم عليه الحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم تخلف عن الصلاة عليه هنا من أجل الزجر.

ولكن الحديث الذي أورده أبو داود هنا وأنه لم يصل عليه، قد رواه جماعة هكذا، وجاء عن أحد الثقات وهو محمود بن غيلان أنه صلى عليه، فمن أهل العلم من قال: إن رواية محمود بن غيلان شاذة، ورواية غيره من الحفاظ التي فيها: أنه لم يصل عليه، هي المحفوظة، ومن أهل العلم من قال: إن رواية محمود بن غيلان مقبولة؛ لأنها جاءت من طريق ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، وتكون مثلما ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية وقد رجمت على الزنا).

وعلى كل فإن كانت رواية محمود بن غيلان ثابتة فهي مطابقة لما جاء في الصحيح من الصلاة على الغامدية التي رجمت بسبب الزنا مثل ماعز، وإن كانت غير ثابتة ولم يصل عليه فيحتمل أن ذلك زجراً عن الوقوع في مثل هذه المعاصي، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بعض الأحوال، وتخلف عن الصلاة في بعضها.

والحاصل: أنه يصلى على الذي أقيم عليه الحد، كما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على الغامدية، وإن تركت الصلاة عليه من بعض الناس من أجل أن يكون في ذلك زجر وردع فلا بأس بذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>