شرح حديث (خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً حتى أتى المصلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي وعثمان بن أبي شيبة نحوه، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أخبرني أبي قال: أرسلني الوليد بن عتبة -قال عثمان: ابن عقبة - وكان أمير المدينة إلى ابن عباس رضي الله عنهما أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى -زاد عثمان: فرقى على المنبر، ثم اتفقا- ولم يخطب خطبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد).
قال أبو داود: والإخبار للنفيلي والصواب ابن عتبة].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً، يعني: ليس لابساً أحسن الثياب ومتجملاً، وإنما لبس ألبسة مبتذلة ليست جميلة كما يكون بالنسبة للجمعة والعيدين، متواضعاً لله عز وجل، متضرعاً إليه، يعني: يضرع إليه ويسأله ويلح عليه في الدعاء.
قوله: [زاد عثمان فرقى على المنبر].
أي: شيخه الثاني، وقد جاء في بعض الروايات أنه أمر بمنبر فوضع.
قوله: [ولم يخطب خطبكم هذه] هذا لا ينفي أصل الخطبة، ولكنه ينفي النوع، فالنفي منصب على القيد دون المقيد؛ لأن القيد هو (هذه) يعني: على هذا النحو، ولم ينف أصل الخطبة، فالخطبة أصلها ثابت، والذي نفاه إنما هو الهيئة والكيفية والنوع الذي كانوا يفعلونه، ولعل ذلك نوع خاص يختلف عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس فيه نفي الخطبة، ولكنه نفي للكيفية والهيئة والصفة التي كانت عليها خطبهم التي كانوا يخطبونها.
قوله: [ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير] يعني أنه خطب ولم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم نزل.
قوله: [ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد] هذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد، ويدل -أيضاً- على أنه يكبر فيها كما يكبر في العيد، وبعض أهل العلم قال: تصلى بدون تكبير، لكن قول ابن عباس: [كما يصلي العيد] يدلنا على أنها تماثل العيد، والعيد فيه تكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، فيكبر فيها كما يكبر في العيد؛ لأن المشابهة تقتضي أن يكون المشبه مثل المشبه به، وصلاة العيد فيها تكبيرات فصلاة الاستسقاء يكون فيها تكبيرات.
هذا وليس لصلاة الاستسقاء سنة قبلية ولا بعدية، والظاهر أن الدعاء يكون وهم واقفون، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا واقفاً، والناس قلبوا أرديتهم ودعوا وقوفاً ولم يجلسوا.
ونفي الخطبة هنا مثل ما جاء في حديث الجمعة أنه ليس للحيطان ظل يستظل به، فلم ينف أصل الظل، وإنما نفي الظل الذي يتمكن الناس من الاستظلال به، فالنفي للقيد لا للمقيد، وهنا النفي للقيد لا للمقيد.