قوله:[فعليك بلزوم السنة] أي: اتبع السنن، واحذر البدع، واسلك المسلك القويم، وسر على الصراط المستقيم الذي جاء به الرسول الكريم عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم، وهو الذي كان عليه أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإنهم السباقون إلى كل خير، والحريصون عليه، ولتحذر من الأهواء والبدع التي أحدثت بعدهم، فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يقال: إن شيئاً من الأهواء والبدع المحدثة التي جاءت بعد الصحابة أو في زمنهم ولم يكونوا عليها إنها حق، بل هي باطل، والحق هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولو كانت تلك الأهواء التي ابتدعها من ابتدعها حقاً لبلغها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الحسن البصري، ولو كانت حقاً لسبق إليها السابقون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أحسنوا في أعمالهم، وتقيدوا بسنة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد سلم من تلك الأهواء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتلي بها من بعدهم، فلا يمكن أن يقال بحال من الأحوال: إنه حق حجب عن الصحابة وحيل بينهم وبينه، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، فهذا لا يصح أن يقال، ولا يصح أن يفكر فيه.
قوله:[فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة] أي: عصمة من الزلل، وعصمة من الضلال؛ لأنها حق جاء من عند الله الذي هو بكل شيء عليم، ولم تأت من عند البشر، فالواجب اتباع السنن التي جاءت من عند الله، والتي أنزلها الله وحياً على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن العصمة فيها؛ لأن العصمة إنما تكون فيما جاء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وليست في كلام غير المعصوم، فغيره -عليه الصلاة والسلام- يخطئ ويصيب، وأما هو فهو معصوم فيما يبلغ عن الله، وكل ما يأتي به فهو حق، ومن أخذ به أخذ بما فيه من العصمة، ومن حاد عنه فإنه يقع في الأمور المنكرة والأمور المحدثة.
قوله:[ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها] أي: قد مضى في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبِّين أنها ليست حقاً -أي هذه البدعة-؛ لأنها مخالفة لما جاء في الكتاب والسنة، فهي خارجة عن الجادة، وليست على الصراط المستقيم، كما قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:١٥٣] فالدين قد كمل، والشريعة قد استقرت، ولهذا فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس في شهر رمضان بعض الصلوات جماعة ترك الصلاة بهم بعد ذلك خشية أن يفرض عليهم قيام رمضان، لأن الزمن زمن تشريع، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقرت الشريعة، وانقطع الوحي، وليس هناك مجال لفرض شيء، وعُلم بأن هذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو سنة ومستحب، فعند ذلك جمع عمر رضي الله عنه وأرضاه الناس إلى قيام الليل وصلاة التراويح في رمضان، فالذي خشي منه الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يفرض عليهم، أما وقد استقرت الشريعة، فليس هناك تشريع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فـ عمر رضي الله عنه أعاد الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله:[فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها -ولم يقل ابن كثير: من قد علم- من الخطأ والزلل والحمق والتعمق]، لقد جاءت السنة من عند الله، فهو الذي سنها وشرعها وأوحاها إلى رسوله صلى الله علي وسلم، فهو يعلم ما في خلافها من الخطأ، وما في خلافها من الضلال، والحمق والتكلف، وعلى هذا فالسنة فيها العصمة كما مر في قوله:(عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة)، والذي سنها وأنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم هو الله سبحانه وتعالى، وهو يعلم ما في خلافها مما يحدثه الناس من الحمق، ومن التكلف، ومن الخطأ والزلل والضلال.
إذاً: فالسنة سليمة من كل ضرر، وغيرها مما هو على خلافها كله ضرر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وهذا فيه بيان عظم شأن الشريعة وشأن السنن، وأنها من عند الله، وأن الذي شرعها هو بكل شيء عليم، وهو يعلم ما في خلافها من الضرر، وما فيها من الخير؛ ولهذا فإن لزومها فيه السعادة والسلامة، والخروج عنها إلى محدثات الأمور وإلى البدع المحدثة فيه الصفات الذميمة التي أشار إلى شيءٍ منها في قوله:(يعلم ما في خلافها من الحمق، والخطأ، والتعمق) أي: التكلف.