قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن محبوب وإسماعيل بن إبراهيم المعنى، قالا: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وعن أبي صالح عن أبي هريرة قالا:(جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت شيئا؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى:[باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب] أي: فإن عليه أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ولا يجلس قبل أن يصليهما، وقد مر حديث جابر رضي الله تعالى عنه:(أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع) وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر من طريق أخرى، وهذه الطريق جاءت أيضاً عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وفيها تسمية الرجل الذي دخل، وهو سليك الغطفاني، قالا: [(جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما)] أي: صل ركعتين وخففهما، وذلك ليتمكن من سماع الخطبة، وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا دخل والخطيب يخطب يوم الجمعة فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتي تحية المسجد.
وفيه جواز كلام الخطيب لبعض الحاضرين، وكلام بعض الحاضرين معه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه وسأله وأجابه سليك رضي الله عنه، فهذا يدل على جواز الكلام من الخطيب مع غيره وكذلك كلام غيره معه، ومثل هذا ما جاء في قصة الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال:(هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا) فهذا فيه دليل على أن كلام الخطيب مع غيره، وكلام غيره معه غير داخل في قوله:(إذا قلت لصحابك والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت)؛ لأن هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل يعمل به فيما ورد، ولا تنافي بينهما، فكلاهما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وفي هذا الحديث تأكد تحية المسجد، والحرص عليها، ويدل على أن الإنسان إذا دخل المسجد في أي وقت من أوقات النهي فإنه يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لهذا أن يجلس دون أن يصلي ركعتين مع أن الخطيب يخطب، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوب الإنصات، وما يدل على أن الإنسان لو تكلم مع غيره ولو كان آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر فإن ذلك لغو، فدل هذا على تأكد الإتيان بتحية المسجد في جميع الأوقات، وأن تحية من ذوات الأسباب التي لا يتركها الإنسان.
وقوله: [(قم صل ركعتين وتجوز فيهما)] فيه دلالة على أن الإنسان لا يزيد على الركعتين إذا جاء والإمام يخطب، وقوله أيضاً: [(ركعتين)] يدل على أنه لا يصلي أقل من ركعتين؛ لأن التنفل لا يكون إلا بركعتين، والتنفل بركعة واحدة غير سائغ، ولم يرد إلا في الوتر ركعة واحدة يوتر بها العدد الذي سبقها، فأقل ما يتنفل به الإنسان ركعتين، فإذا دخل الرجل والخطيب يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين.
وقوله في الحديث:(إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ليس المقصود من ذلك أنه لا يزيد عليهما، بل له أن يزيد عليهما ما دام أن الوقت ليس فيه خطبة، فله أن يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً، كل ركعتين يسلم منهما، ولكن إذا كان الخطيب يخطب فإنه يصلي ركعتين ولا يزيد عليهما، بل يخففهما حتى يتمكن من سماع الخطبة.