قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يبتاع صدقته: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس في سبيل الله، فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الرجل يبتاع صدقته، يعني: يشتريها، أي أنه تصدق بصدقة، ثم يجدها تباع فهل يشتريها أو لا يشتريها؟ أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر رضي الله عنه:(أنه حمل على فرس في سبيل الله) أي: أنه أعطاه لرجل ليجاهد عليه في سبيل الله؛ لأن الحمل على الفرس معناه حمل الرجال كما جاء في القرآن الكريم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:{لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}[التوبة:٩٢]، وذلك جواباً لمن كانوا يأتون إليه يطلبون أن يحملهم ليجاهدوا؛ لأنهم لا ظهر عندهم ولا مركوب، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم:(لا أجد ما أحملكم عليه) فيتولون وأعينهم تفيض من الدمع؛ حزناً حيث لم يتيسر لهم أن يجاهدوا لعجزهم ولضعفهم وقلة ذات أيديهم.
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك:(إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)، وفي بعض الروايات:(إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر) أي: حبسهم العذر عن الجهاد، فهم يجاهدون بنياتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: الجهاد يكون بالنية، ويكون بالمال، ويكون بالنفس، ويكون باللسان، يعني في الدعوة إلى الله عز وجل والدفاع عن الإسلام.
قوله:(حمل عليه في سبيل الله) أي: أنه أعطاه إياه ليجاهد عليه، وليس معناه أنه وقف؛ لأن الوقف لا يباع، ولكنه أعطاه الفرس ليجاهد عليه، فهو مالك له، ولهذا أمكنه أن يبيعه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله فقال:(لا تبتعه ولا تعد في صدقتك) ولعل هذا المنع -والله أعلم- لأن صاحبه إذا عرف أن الذي سيشتريه هو الذي أعطاه إياه فلعله يسامحه أو يعطيه برخص، فمنع من ذلك قطعاً لهذه الذريعة، والإنسان لا يعود في صدقته، ولا يشتري صدقته، لكن لو عادت إليه بالإرث أو أعطاها لشخص ثم مات عنها وكان هو الوارث له، فإن ذلك يعود عليه.