للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قيام الرجل للرجل.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال: خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر رضي الله عنهم، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لـ ابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)].

أورد أبو داود باباً في قيام الرجل للرجل، وسبق أن مرت ترجمة بعنوان: باب القيام، وهي مطلقة، وهذه مقيدة بأنها قيام له، وهناك أورد تحتها القيام إليه، وذكرنا أن القيام له ثلاث حالات: الأولى: القيام له، والثانية: القيام إليه، والثالثة: القيام عليه.

وذكرنا أن القيام إليه سائغ، بأن يكون قيامه إليه ليستقبله أو ليعانقه أو ليصافحه أو ليرافقه في الدخول، وكذلك القيام عليه إذا كان هناك حاجه تدعو إلى ذلك، كما حصل من المغيرة بن شعبة حين وقف على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت كتابة صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، وهذا فيه إظهار احترام الإمام والحرص عليه وتوقيره.

وأما القيام له احتراماً ثم يجلس فهذا لا يجوز.

والذي جاء في حديث معاوية رضي الله عنه أنه لما دخل على ابن الزبير وابن عامر قام ابن عامر ولم يقم ابن الزبير، فـ معاوية رضي الله عنه قال: اجلس، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، فهذا يدل على أنه لا يجوز القيام الذي هو مجرد قيام وجلوس للاحترام وليس قياماً إليه.

والحديث يدل أيضاً على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من بيان السنن والتحذير مما فيه مخالفة ولو كان في ذلك احترام للإنسان؛ لأن ابن عامر قام وابن الزبير جلس، وأمر معاوية الذي قام أن يجلس، ثم ساق الحديث مع أن ابن عامر قام احتراماً له، لكنه لما كان مخالفاً للسنة لم يسكت على ذلك، بل أمره بأن يجلس.

وفيه أيضاً إتباع القول بالدليل؛ لأن معاوية رضي الله عنه قال له: (اجلس) ثم ذكر له الدليل، الذي هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يذكرون الحكم ودليله، وهذا فيه ذكر الحكم ودليله، الحكم الذي هو الجلوس، والدليل الذي هو: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار).

<<  <  ج:
ص:  >  >>