للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الفرق.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان أهل الكتاب يعني يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد)].

أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب ما جاء في الفرق.

والفرق: هو قسمة شعر الرأس من الوسط حتى يكون قسم منه على الجانب الأيمن وقسم على الجانب الأيسر، ويكون فيه خط في الوسط يقسم شعر الرأس إلى قسمين فتبدو من ذلك المكان جلدة الرأس؛ هذا هو الفرق.

والسدل: هو عدم فرقه، وكونه يذهب كما اتجه إلى الأمام وإلى اليمين وإلى الشمال وإلى الخلف، فما ليس فيه فرق فهو مسدل، يعني: أن السدل ترك الشعر على وجهه دون أن يفرق ودون أن يميز إلى جهة اليمين أو إلى جهة الشمال.

وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعر رأسه ويحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به ويخالف المشركين، وكانوا المشركون يفرقون وأهل الكتاب يسدلون).

وقوله: (كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به)، يعني: فيما لم يؤمر فيه بمخالفتهم أو فيما لم يؤمر فيه بشيء يفعله، وأما شيء يكون أهل الكتاب لهم فيه هيئة والكفار لهم هيئة فإنه كان يحب موافقة أهل الكتاب؛ لأن أهل الكتاب أهل دين وأهل رسالة ولكنها محرفة ومبدلة، بخلاف الكفار فإنهم وثنيون يعبدون الأوثان ولا ينتمون إلى دين.

وأما أهل الكتاب فإنهم يتبعون من الرسل موسى وعيسى، ولكنه بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يجز لهم أن يتبعوا أحداً سوى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، ولا يقبل الله من أحد أن يكون متبعاً لغيره بعد بعثته عليه الصلاة والسلام؛ لأن بعثته إلى الناس عامة، وكل إنسي وجني من حين بعثته إلى قيام الساعة فهو من أمته عليه الصلاة والسلام، أعني أمة الدعوة، فالكل مدعو إلى أن يدخل في دينه، وإذا لم يدخل في دينه فليس أمامه إلا النار؛ لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).

وقوله: (ثم إنه فرق بعد ذلك) يعني: أنه استعمل الفرق.

فمن العلماء من قال: إن الفرق ناسخ للسدل، ومنهم من قال: إن الكل جائز، يعني: هذا بناء على ما فعله أولاً وهذا بناء على ما فعله أخيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>