[شرح حديث (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع النساء إذا كن مع الرجال رءوسهن من السجدة.
حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري، عن مولى لـ أسماء ابنة أبي بكر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم، كراهية أن يرين من عورات الرجال)].
قوله:[باب رفع النساء إذا كن مع الرجال رءوسهن من السجدة].
يعني: متى يكون ذلك؟ وهل يكون حالهن مثل حال الرجال؟ أي: إذا انقطع صوت الإمام رفعن رءوسهن كما يرفع الرجال أو أنهن يتأخرن؟ والمقصود من الترجمة أنهن يتأخرن، وذلك لعلة، وهي: كون ملابس الرجال فيها ضيق وقلة، فكان الواحد منهم يلبس الثوب الواحد، والمقصود بالثوب اللفافة التي يلفها على نفسه؛ لأن الثوب يطلق على ما هو أعم من القميص، فاللفافة التي يلفها على نفسه يقال لها: ثوب، وكان في ثيابهم قصر أو قلة، فقد تبدو عورتهم إذا سجدوا، فأمر النساء إذا صلين مع الرجال ألا يرفعن رءوسهن إلا بعدما يرفع الرجال رءوسهم ويجلسون، أي: يتأخرن قليلاً، وهذا إنما هو في هذه الحالة.
أما إذا كان الأمر ليس فيه شيء مما يحذر فيرفعن كما يرفع الرجال؛ لأن هذا النهي أو أرشادهن إلى ألا يفعلن ذلك إنما هو لئلا تحصل رؤية عورة أحد من الرجال.
وقد مر بنا حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه الصحابي الصغير، الذي كان يصلي بقومه وعليه ثوب ضيق، وكان إذا سجد أحياناً تبدو عورته، فذكر أن امرأة قالت:(غطوا سوءة إمامكم) فاشتروا له قميصاً، فكان يصلي بهم به وقد فرح بذلك فرحاً شديداً لأنه حصل على قميص، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من القلة والفاقة، وهم خير الناس رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
قوله: [(فلا ترفع رأسها)] يعني: من السجود.
وقوله: [(حتى يرفع الرجال رءوسهم)] يعني: حتى يستقر الرجال ويجلسوا، فعند ذلك يرفعن رءوسهن.
قوله: [(كراهية أن يرين من عورات الرجال)] يعني: هذا النهي لكراهية أن ترى النساء من عورات الرجال، وذلك للضيق وشدة الحاجة وعدم السعة في الملابس.
فقوله صلى الله عليه وسلم: [(من كان منكن تؤمن بالله واليوم الآخر)] فيه حث وترغيب وتنبيه للمرأة التي تؤمن بالله واليوم الآخر على أن تبتعد عن أن ترى العورات، وأن تتعرض لرؤية العورات.