[شرح حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجاسوس المستأمن.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو عميس عن ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه ثم انسل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اطلبوه واقتلوه.
قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه)].
أورد أبو داود [باب في الجاسوس المستأمن].
المستأمن هو الذي له أمان، وهو الذي يدخل إلى بلاد المسلمين ويعطى أماناً على نفسه وماله مدة بقائه في بلاد المسلمين.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث سلمة بن الأكوع، وفيه ذكر قصة الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سفر، وأنه جاء وأناخ بعيره ودخل معهم، وبعد ذلك انسل بسرعة وركب بعيره وهرب، فعلموا أنه جاسوس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق به وبقتله، فلحقوه، وكان الذي أدركه سلمة بن الأكوع، وكان عدَّاءً -أي: سباقاً على رجليه- فسبق الذين على الإبل حتى تقدم عليهم وأمسك خطام جمل الجاسوس وقتله، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه.
والحديث ليس فيه دليل واضح على الاستئمان، ولكن كونه جاء وجلس معهم ورأى حالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق بسرعة معناه أن له حكم المستأمن الذي أعطي أماناً.
ولكن البخاري بوب لهذا بقوله: (باب الجاسوس بغير أمان) يعني: وليس له أمان؛ لأن هذا جاء ولم يكن له أمان، فلعل أبا داود أراد من وراء ذلك أن يبين أن حكم المستأمن يكون كذلك، وأنه إذا حصل منه تجسس فإنه ينقض أمانه ويستحق القتل.
وهذا الجاسوس الذي جاء وجلس مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى حالهم ثم انسل فعرفوا أنه جاسوس ما كان ابن سبيل أو عابر سبيل، وما جاء ليشاركهم في أكلهم أو ليكون ضيفاً عندهم، وإنما جاء ليتجسس ثم انصرف بسرعة وهرب، فعند ذلك عرفوا أنه جاسوس فلحقوه، وقتله سلمة بن الأكوع، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه.
قوله: [أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه ثم انسل].
أي: جلس عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى ضعف حالهم وضعف ركابهم وما فيهم من ضعف.
[فانسل] يعني: خرج منسلاً إلى بعيره، وكان قد قيده، ففك قيده وركب عليه ثم هرب.
قوله: [فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلبوه فاقتلوه.
قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه].
هذا اختصار للقصة، وستأتي بكمالها في الحديث الآتي.
فـ سلمة بن الأكوع رضي الله عنه لحقه يعدو على رجليه، وكان ممن لحقه صاحب ناقة ورقاء كانت من أحسن الركاب، ولكنه سبق الناقة وسبق الجمل حتى تقدم وأمسك بخطامه وأناخه، ولما أناخه اخترط سيفه وضرب عنقه فسقط رأسه ومات.