شرح حديث:(أن النبي قال لليهود وبدأ بهم: يحلف منكم خمسون رجلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لليهود وبدأ بهم: يحلف منكم خمسون رجلاً فأبوا، فقال للأنصار: استحقوا، قالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟ فجعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية على يهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن رجال من الأنصار مبهمين غير معينين، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر سواء كانوا جماعة أو واحداً، فالمجهول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، بعد أن أثنى الله عليهم ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، بل أثنى الله عليهم في التوراة والإنجيل قبل أن يوجدوا وقبل أن يأتي زمانهم، كما جاء في آخر سورة الفتح، وهذا دال على فضلهم ونبلهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم أيضاً حملة الشريعة وهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وهذا الحديث فيه قصة القتيل الذي قتل من الأنصار في خيبر، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود وأمرهم أن يحلفوا خمسين يميناً، لكن أهل القتيل لم يقبلوا، وقالوا: إن اليهود قوم كفار، فقال لهم: تحلفون خمسين يميناً، فلم يفعلوا، وبعد ذلك أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم الدية على اليهود، ولم يذكر أنه وداه من عنده.
وهذا الحديث كما قال الشيخ الألباني: إنه شاذ؛ لأن أسانيده رجال ثقات، ولكن فيه ذكر المخالفة من جهتين: من جهة التنصيص على أنه بدأ باليهود أن يحلفوا، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي سبق أن مرت، وفيها أنه بدأ بالمدعين لأن معهم قوة وهي اللوث التي هي بمنزلة الشاهد.
ومن جهة أن الرسول ألزم اليهود بديته، ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة جاءت بأنه هو الذي وداه من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
إذاً: الإسناد صحيح ورجاله ثقات، ولكنه مخالف لما تقدم في الأحاديث الصحيحة الدالة على أن البدء كان بالمدعين وأيمان المدعين، وأن الدية إنما هي من عنده صلى الله عليه وسلم.