[شرح حديث: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن عياش عن حبيب بن صالح عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم؛ فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن؛ فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف)].
أورد أبو داود رحمه حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن)، يعني: ثلاث خصال لا يحل لأحد أن يفعلهن: (لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم)، وهذا المراد منه في الأمور التي يكون فيها الاشتراك بأن يدعو وهم يؤمنون، فلا يدعو لنفسه فيقول: اللهم اغفر لي اللهم ارحمني، وإنما يقول: اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا، وأما الأدعية الخاصة التي تكون في الصلاة مثل دعاء الاستفتاح: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي) وهكذا: (رب اغفر لي وارحمني وارزقني) بين السجدتين، وكذلك في المواضع التي فيها ذكر بالإفراد؛ فإن كل واحد من المصلين يقولها لنفسه: المأموم والإمام يقولاها بالإفراد، ولكن الشيء الذي لا يليق ولا يصح وفيه أثرة كونه يخص نفسه بدعاء وهم يؤمنون عليه، بل إذا دعا وهم يؤمنون فليعمم ولا يخص نفسه ويأتي بضمير الإفراد، وإنما يأتي بضمير الجمع الذي يشمله ويشمل غيره، وعلى هذا فإن كون الإنسان يدعو لنفسه إذا كان وفقاً لما جاءت به السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل دعاء الاستفتاح، والدعاء بين السجدتين، وكذلك في أي مكان من الصلاة جاء الدعاء بالإفراد فالإمام يفعله بينه وبين نفسه والمأمومون يفعلونه، وكل يأتي بالدعاء الذي جاء على سبيل الانفراد، ولكن المحذور والذي لا يليق والذي فيه أثرة واختصاص هو كونه يدعو لنفسه وهم يؤمنون على ذلك.
وقوله: [(فإن فعل فقد خانهم)].
أي: فإن دعا لنفسه دونهم.
وقوله: [(ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل)].
يعني: لا ينظر في بيت حتى يستأذن، وحتى يعرف أنه أذن له، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الحديث أنه قال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) يعني: حتى إن الناس ينتبهون، لكي يستروا الشيء الذي يريدون ستره ويخفوا الشيء الذي يريدون إخفاءه، فلا يطلع الشخص عليهم على غرة أو يظهر بدون استئذان فيطلع على عوراتهم وإنما عليه أن يستأذن، والإنسان الذي ينظر في قعر البيت بدون أن يستأذن يحصل منه الضرر.
وقوله: (فقد دخل) يعني: كأنه دخل بدون استئذان، فمادام أنه نظر وشاهد وعاين بدون أن يستأذن فكأنه دخل بدون استئذان، وقد جاء في قضية حتمية الاستئذان شواهد، منها قصة الرجل الذي كان ينظر من شق الباب والرسول معه المدر وكان يريد أن يفقأ عينه بذلك حين تلبسه بالمعصية؛ لأن ذلك لا يجوز، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) يعني: حتى لا يقع البصر على شيء لا يريد أهله أن ينظر إليه، أو أن يطلع عليه أحد.
وقوله: [(ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف)].
يعني: أن عليه أن يتخلص من ذلك الشيء الذي كان حاملاً له والذي يجد المشقة فيه وتشوش البال معه.
فكل من النظر في البيوت بغير إذن، وكذلك التخلص من الأذى والإقبال على الصلاة وهو خالي الذهن وغير مشوش أمر مطلوب وله شواهد، وأما بالنسبة للدعاء ففيه التفصيل الذي ذكرته.
وبعض أهل العلم يتكلم في هذا الحديث ويضعف هذه الجملة، ويقول: ليس هناك شيء يدل عليها غير ما جاء في هذا الحديث، وأما ما عداها من الخصال الأخرى فإن لها شواهد صحيحة وأبو داود رحمه الله أورده من أجل الجملة الأخيرة، وكل ما مر من الأحاديث قبلها هو من الشواهد لها.