تقول ميمونة رضي الله عنها:(فناولته المنديل -أي: ليتنشف به- فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده صلى الله عليه وسلم)، وهذا لا يدل على أن المنديل لا يستعمل أو أن الإنسان لا يتنشف، فللإنسان أن يتنشف بعد الوضوء وبعد الغسل، وما جاء في هذا الحديث من كونه لم يأخذه لا يدل على منعه ولا كراهيته، فلعله كان مستعجلاً، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه (مسح بجبة كانت عليه بعدما توضأ) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
إذاً: التنشيف لا بأس به، وعدم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم للمنديل لما ناولته إياه لا يدل على الكراهية والمنع، فلعله كان في تلك الحالة مستعجلاً، أو أن الخرقة لم تعجبه، أو لأي أمر من الأمور.
قوله:[فذكرت ذلك لـ إبراهيم].
يقول الأعمش: ذكرت لـ إبراهيم النخعي، ما يتعلق بكونه أعطي المنديل ولم يأخذه.
قوله:[فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة].
هذه حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وكون الإنسان يتنشف، ولكن كانوا يكرهونه للعادة، يعني: كونه يتخذ عادة بحيث يكون كأنه سنة لا تترك، ويذكر بعض العلماء: أن الشيء الذي يكون سائغاً أو مستحباً ينبغي أن يترك في بعض الأحيان حتى لا يعتقد أنه واجب أو أنه سنة إذا لم يكن واجباً، مثل قولهم: تكره المداومة على قراءة [السجدة:١] و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ}[الإنسان:١] فجر يوم الجمعة لئلا يعتقد الناس أن هذا لازم ولابد منه، فيترك المستحب في بعض الأحيان حتى لا يتخذ عادة دائماً وأبداً بحيث لا يترك ويعتقد أنه مطلوب دائماً وأبداً، فهنا حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وهذا من جنس قول إبراهيم النخعي الذي حكاه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار، يعني: يعظمون شأن اليمين والعهد، فيضربونهم عليهما حتى لا يستهينون بذلك ولا يستسهلونه، وهي حكاية عما كانوا يؤدبون به أولادهم.
[قال أبو داود: قال مسدد: قلت لـ عبد الله بن داود: وكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا].
ثم قال أبو داود: قال مسدد -وهو شيخه-: قلت لـ عبد الله بن داود -وهو شيخ مسدد في الإسناد عبد الله بن داود الخريبي -: كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: يريد أن يستفهم، قال: هكذا هو، يعني: هكذا حفظ، وهكذا وجده في كتابه.