شرح حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يجد البلة في منامه.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه، فقالت: أم سليم: المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: "نعم، إنما النساء شقائق الرجال")].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب الرجل يجد البلة في منامه، يعني: عندما يقوم من النوم يجد في ثيابه بللاً، ولا يذكر أن ذلك عن احتلام، فهل يجب عليه أن يغتسل؟ إذا كان هذا البلل الذي وجده منياً، فلا شك أنه يجب عليه الغسل، وهذا هو الذي يتفق مع حديث أم سليم الذي سيأتي: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء)، فإذا حصل احتلام، وحصل رؤية الماء، فقد اجتمع الاثنان، فعليه الغسل، لكن إذا ما تذكر احتلاماً ووجد ماءً، فإن كان متحققاً أنه مني فعليه أن يغتسل، وإن كان غير متحقق أنه مني، وأنه يمكن أن يكون بولاً ويمكن أن يكون منياً فإن الأحوط في حقه أن يغتسل، ويقطع الشك باليقين، ويأخذ بحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، أما إذا رأى في المنام احتلاماً، ولكنه ما وجد شيئاً بعد ذلك فإنه لا غسل عليه، كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها المتقدم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها وفيه شيء من التفصيل: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، قال: يغتسل) يعني: إذا كان متحققاً بأنه مني فهذا أمره واضح، وإذا كان غير متحقق فعليه أن يغتسل حتى يقطع الشك باليقين.
قوله: (وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه).
وهذا متفق مع ما جاء في حديث أم سليم.
قوله: (فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال)].
أي: المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها غسل؟ نعم الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، والأحكام التي تقال في حق الرجال تسري على النساء إلا إذا وجد شيء يخصص الحكم بالرجال أو يخصص الحكم بالنساء، فعند ذلك لا يكون التساوي ولا يكون الأمر لازماً للجميع، وإنما يكون الأمر لازماً لمن ألزم به، وأما إذا لم يأت ما ينص على تخصيص الرجال أو تخصيص النساء بالحكم؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام؛ ولهذا إذا ذكر الرجال في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس الحكم يختص بهم؛ لأن الخطاب في الغالب يكون معهم.
وحديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه أن أم سلمة قالت هذه المقالة، وقال: لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم، إنما النساء شقائق الرجال) يوضح هذا، فمعناه: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، والأحكام التي تقال للرجال تقال في حق النساء.
ومعنى كونهن شقائق الرجال أنهن مثلهم، ولهن أحكامهم، وكلهم جاءوا من طريق واحد، فلا فرق بين الرجال والنساء إلا إذا جاء نص يميز النساء عن الرجال أو الرجال عن النساء.