الإمامان جعفر بن محمد ومحمد بن علي من أئمة أهل السنة، وهما من أهل البيت الذين يجلهم ويوقرهم ويحبهم أهل السنة، وأهل السنة يحبون أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لمن كان منهم تقياً صالحاً، فكون الرجل تقياً صالحاً ويكون من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أسباب زيادة محبته؛ لأن المؤمن التقي إذا كان من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يحب لتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي طليعة وفي مقدمة أهل السنة وأهل الحق والهدى أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، فإنهما كانا يجلان أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي بكر أثرين: أحدهما أنه قال: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) يعني: كوني أصل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي، فهذا يدلنا على عظم منزلة أهل البيت وقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصديق، وهو خير هذه الأمة وأفضل هذه الأمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والأثر الثاني ذكره البخاري عنه في صحيحه أنه قال:(ارقبوا محمداً في أهل بيته) يعني أنهم يقدرون أهل بيته، ويعرفون منزلة أهل بيته؛ لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فروي عنه أثران أيضاً: أحدهما أنه قال للعباس لما أسلم: إن إسلامك لما أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك.
والأثر الثاني: ما جاء في صحيح البخاري أن الناس لما أصابهم الجدب والقحط وخرجوا يستسقون، طلب عمر رضي الله عنه من العباس أن يدعو للمسلمين أن يغيثهم الله عز وجل، واختار العباس لأنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال عمر:(اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا) يعني: نطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنا فيدعو لنا فتسقينا، (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، قم -يا عباس - فادع الله)، وعمر أفضل من العباس ولكنه اختار العباس من أجل قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال:(وإنا نتوسل إليك بعم نبينا)، وما قال: نتوسل إليك بـ العباس، فما ذكره باسمه، ولكن ذكر صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، فقال:(وإنا نتوسل إليك بعم نبينا -يعني: بدعائه- فاسقنا، قم -يا عباس - فادع الله).
فهذا فيه بيان منزلة أهل البيت عند الخليفتين الراشدين الأولين: أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، وقد ذكر هذه الآثار ابن كثير رحمة الله عليه في تفسير سورة الشورى عند قول الله عز وجل:{قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:٢٣].