[الحكمة من نهي الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة عن الإساءة إلى الأعرابي]
إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن أن يسيئوا إلى الأعرابي أو يعنفوه لأن الأمر قد وقع؛ لأنه لو كان قبل أن يبول لأمكن التدارك، لكن بعد أن وجد البول فإنهم إن منعوه من البول فقد يقوم ويذهب فيتطاير البول يميناً ويساراً، وتتلوث أماكن متعددة من المسجد، وكذلك جسده وثيابه، لكن ما دام أن البول وقع فيبقى في مكان واحد حتى يكمل بوله، ثم تطهر البقعة التي حصل فيها البول، بخلاف ما لو قام قبل أن يكمل بوله، فإن البول يتقاطر هنا وهنا في بقع من المسجد يصعب تطهيرها، ويصعب الاهتداء إليها، وكذلك أيضاً يلوث جسده وثيابه، وهذا فيه دليل لقاعدة من قواعد الشريعة، وهي أنه يرتكب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما؛ لأن البول ووقوعه في المسجد ضرر، لكن كونه يقوم ويقطع بوله وينتشر البول في أماكن متعددة أشد ضرراً.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبقى على أحد الضررين، وهو الأخف منهما، بحيث يمكن تطهير المكان في سبيل التخلص من أشدهما.
إذاً: فالضرر الأخف أهون من الضرر الأشد، ولهذا جاءت الشريعة بهذه القاعدة التي هي ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، وهذا الحديث دليل لهذه القاعدة.
وكان فيما قاله قوله صلى الله عليه وسلم للصحابة حين أرادوا منعه:(لا تزرموه) يعني: لا تعنفوه ولا تجعلوه ينطلق فيتناثر بوله هنا وهنا.