للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح الأحاديث الواردة في باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته.

حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ويزيد بن قبيس من أهل جبلة ساحل حمص، وهذا لفظ يزيد قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء أنه سمع مسلم بن مشكم أبا عبيد الله يقول: حدثنا أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً، قال عمرو: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم).

حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن فروة بن مجاهد اللخمي عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه قال: (غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا، فضيق الناس المنازل، وقطعوا الطريق، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له).

حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن الأوزاعي عن أسيد بن عبد الرحمن عن فروة بن مجاهد عن سهل بن معاذ عن أبيه قال: (غزونا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم بمعناه)].

يقول أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته.

انضمام العسكر: أن يجتمع بعضهم إلى بعض، لكن هذا الاجتماع لا يكون فيه تضييق، بحيث إن جماعة يأخذون أكثر من حاجتهم فيضيقون على إخوانهم، أو يضيقون الطريق الذي تمشي فيه فرق الجيش والمعسكر، ولا يكون التفرق بحيث يبتعد بعضهم عن بعض، فلا يكون تباعد ولا يكون تضييق مع الانضمام، وإنما يكون انضمام بدون تضييق ولا تباعد معه، ولا تضيق الطرق التي يسلكون منها، بحيث إذا أراد بعضهم أن يخرج أو يدخل فإنه يكون هناك طرق في المعسكر يدخل منها ويخرج.

فالحكم هو: أنه لا يصير الانتشار واسعاً بحيث تكون كل جماعة بعيدة عن الأخرى، ولا ينضم بعضهم إلى بعض بحيث يضايق بعضهم بعضاً بأن يأخذ أكثر من حاجته، أو يضيق الطرق التي تكون بين العسكر.

أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً.

وقال عمرو: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية)، يعني: عندما ينزلون منزلاً يتفرقون في الشعاب والأودية، وتكون بينهم مسافات، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ذلكم من الشيطان)، يعني: هذا التفرق إنما هو من الشيطان، فكانوا بعد ذلك ينضم بعضهم إلى بعض حتى لو وضع عليهم ثوب لوسعهم من شدة تقاربهم، لكن هذا التقارب كما هو معلوم لا يكون فيه تضييق بعضهم على بعض، وهذا فيه مبالغة في ترك ما كانوا عليه من التفرق إلى أن يكونوا مجتمعين غير متفرقين.

وأورد حديث معاذ بن أنس عن أبيه قال: (غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق؛ فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له).

فهذا فيه مقابل ما تقدم في الحديث السابق، حيث ورد فيه أنهم تفرقوا في الشعاب، وبعد ذلك كان يجتمعون، والاجتماع الذي يكون فيه مضرة مذموم، والتفرق الذي ليس فيه مصلحة مذموم، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، وبين التفرق الذي فيه تباعد، والانضمام الذي يكون فيه تضييق لبعضهم على بعض وتضييق للطريق.

وقوله: (لا جهاد له)، يعني: أنه جاهد من أجل أن يحصل خيراً، ولكنه عمل شيئاً أضعف من أجره بحيث أنه آذى غيره بذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>