[شرح حديث (ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني أخبرنا محمد بن المهاجر قال: حدثني عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها -أو قال: أكفالها- وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها.
يعني: كونها تربط وتعد وتهيأ لاستعمالها في الغزو والجهاد في سبيل الله، فيشرع للمرء أن يدخرها ويكرمها ويعتني بها، حتى إذا جاءت الحاجة إليها وهي تحت تصرفه يتمكن من الجهاد عليها.
وإكرامها هو بالإحسان إليها وتغذيتها، وعدم إيصال الأذى إليها.
والمسح على أكفالها يمكن أن يكون المقصود من ذلك تأنيسها، ويكون أيضاً لإزالة الغبار والتراب عنها أو الوسخ عنها، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن أن تكون مرادة من هذا الفعل الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي وهب الجشمي رضي الله عنه.
قوله: [(ارتبطوا الخيل)].
يعني: اربطوها لاتخاذها وتنشئتها والمحافظة عليها وتهيئتها للغزو عليها.
قوله: [(وامسحوا بنواصيها وأعجازها)].
الناصية: مقدمة الرأس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء عن كثير من الصحابة: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم) وأعجازها: مؤخرها الذي هو كفلها.
قوله: [(أو قال: أكفالها، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار)].
تقليده، أي: اجعل له أقلاده ولا تقلده الأوتار التي كانوا يتخذونها في الجاهلية، بأوتار القسي، فهذا فيه إشارة إلى التقليد وأنه يسوغ تقليدها، ومعلوم أن القلادة إذا كان المقصود بها شيء له حاجة كالخطام أو اللجام الذي يمسك به الفرس فهذا ليس فيه إشكال، وحتى البعير كذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يركب البعير وهو مخطوم، وكان يشده، وكان إذا وجد زحاماً أمسك الخطام، وإذا كان أرخى له الخطام يمشي، فالخطام لا بأس به، وأما القلادة التي تكون لغرض سيئ فلا تجوز، وأما إذا كانت لغرض محمود فلا بأس بها.
وهذا الحديث فيه تعارض مع الحديث السابق، وذلك أن الأول فيه (ولا قلادة) وهنا قال: (قلدوها) فالحديث في إسناده عقيل بن شبيب، والإسناد كله مر في حديثين قد مضيا، وضعف الحديث الواحد الذي جاء من طريقين بـ عقيل بن شبيب لأنه مجهول، وهنا جاء في هذا الإسناد، لكن الألباني حسَّن الحديث في صحيح سنن أبي داود، فلا أدري لعل ذلك بالشواهد وإلا فإن الإسناد هو نفس الإسناد الذي في الحديث السابق الذي مر بنا.
وهنا مسألة: وضع سلاسل أو حبال للزينة لتجميل الإبل في أعناقها عادة منتشرة عندنا في البلد، فهل هذا يدخل في النهي؟ إذا كانت توضع في رقبتها فهي قلادة سواء كانت من حديد أو من صوف أو من أي شيء، لكن جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقلد الهدي، وهذا مر بنا في الحج في تقليد الهدي، وأن عائشة كانت تفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإشعار، وهذا ليعرف أنه هدي، فإذا كان التقليد لغرض صحيح لا محذور فيه فإنه لا بأس به.