[شرح حديث:(هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحلَّ كله، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة).
قال أبو داود: هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة قال:(هذه عمرة استمتعنا بها)، والمقصود من ذلك أصحابه الذين لم يكن معهم هدي سواء كانوا قارنين أو مفردين وليس هو، فاستمتاعهم كان بأمره؛ لذلك أضاف ذلك إليه؛ لأنه هو الآمر به، وهو المرشد إليه، وإلا فإنه لم يستمتع، بل كانت عمرته مع حجته، وهو باقٍ على إحرامه حتى يوم النحر.
قوله:(فمن لم يكن معه هدي فليحل الحل كله) أي: أنه يفسخ إحرامه إلى عمرة، ويكون متمتعاً، فيحصل له هذا الاستمتاع الذي قال فيه:(هذه عمرة استمتعنا بها)، والمراد بذلك أصحابه الذين كانوا على هذا الوصف، فكانوا قارنين ومفردين ولا هدي معهم، فهولاء هم الذين استمتعوا، وأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لم يستمتع، وقد يكون مستمتعاً على اعتبار أن معه عمرة مقرونة بالحج، فيقال له: تمتُّع بالمعنى العام، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متمتعاً بالمعنى العام، وهو جمْع النسكين في سفرة واحدة، فهذا استمتاع في الجملة، وأما الاستمتاع الكامل فهو الذي يكون فيه عمرة مستقلة وحج مستقل، وبينهما يأتي النساء، ويتطيب، ويلبس المخيط وغير ذلك، والقران يقال له: متعة، ويقال له: تمتع بالمعنى العام، وقد فسر أهل العلم قول الله عز وجل:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}[البقرة:١٩٦] أنه يشمل التمتع الخاص المعروف عند الفقهاء، الذي هو قسيم للقران والإفراد، ويشمل القران أيضاً؛ لأنه تمتع بالمعنى العام، فكون الإنسان يسافر سفراً واحداً فيؤدي فيه نسكه فهذا تمتع، فبدلاً من أن يسافر للعمرة سفراً ويسافر للحج سفراً؛ فإنه يسافر سفراً واحداً ويؤدي فيه النسكين، فهذا تمتع بالمعنى العام.
إذاً: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستمتع الاستمتاع الذي فيه إتيان النساء، ولبس الثياب، والتطيُّب بين العمرة والحج، وإنما هذا في المتمتعين الذين أحرموا بعمرة وانتهوا منها، أو كانوا محرمين بحج وعمرة وفسخوا إحرامهم إلى العمرة فكانوا متمتعين، وأما من كان مفرداً أو قارناً ومعه الهدي، فهذا باقٍ على إحرامه، ومنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان قارناً ولم يكن مفرداً.
قوله:(وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) أي: إما أن تكون دخلت في أعماله، وهذا يكون في القران، وإما في وقته، وهذا هو التمتع؛ لأنه في وقت الحج، قال الله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:١٩٧]، فالإنسان إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج وحج من عامه فإن العمرة تكون قد حصلت في أشهر الحج، وليس في ذلك ما يدل على وجوب التمتع؛ لأن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفردون، ولو كان التمتع واجباً ما تركوه وعدلوا عنه، فلما كانوا يأتون بالإفراد، ويريدون من الناس أن يترددوا على البيت، وتقوى صلتهم به؛ علمنا أن التمتع ليس واجباً، وإنما هو مستحب، وهو أفضل الأنساك وأولاها.
[قال أبو داود: هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس].
وهذا ليس بواضح، فـ ابن القيم رحمة الله عليه يقول: إن قوله: (من طاف بالبيت، وسعى بين الصفا فقد حل) هذا الذي هو قول ابن عباس، وأما قوله:(استمتعنا بها) فهو ثابت من هذه الطريق الصحيحة التي رجالها ثقات، وكذلك من طريق أخرى غير هذه الطريق.