[أشرطة يتهجم فيها على الصحابة رضي الله تعالى عنهم]
السؤال
انتشرت أشرطة في قصص الأنبياء وفضائل الصحابة لأحد الوعاظ، وفيها تهجم على الصحابة، فما قولكم في هذا الواعظ وفي أشرطته؟
الجواب
من يتهجم على الصحابة ويجر الوبال والضرر على نفسه؛ لأن غيبة الناس غير سائغة وحرام ومن الكبائر، فكيف إذا كانت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير الناس، والذين جعلهم الله واسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فما عرف الناس كتاباً وسنة إلا عن طريق الصحابة، وما عرفوا الهدى وما عرفوا النور الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور إلا عن طريق الصحابة، فالذي يتكلم فيهم يجني على نفسه ويجر البلاء على نفسه، وكيف يتكلم في خير الناس وفي أفضل الناس الذين ما كان مثلهم قبلهم، ولا يكون بعدهم مثلهم، فهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة أخرجت للناس، وخير هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا يقول العلماء: إذا عرف أن الشخص صحابي فإنه لا يحتاج إلى شيء أكثر من كلمة صحابي؛ لأن الصحبة شرف عظيم، من حصلت له فقد ظفر بخير كثير، ولهذا لا يحتاجون إلى توثيق وتعديل، بل إذا عرف أن الشخص صحابي فيكفيه أن يقال: إنه صحابي.
والمجهول فيهم في حكم المعلوم، بخلاف غيرهم، فإنه لا بد من معرفة الرواة حتى يعول على أحاديثهم أو لا يعول على أحاديثهم، أما الصحابة فسواء عرفوا أو جهلوا فالمجهول منهم في حكم المعلوم.
ولهذا فالأشرطة التي فيها كلام في الصحابة لا يجوز اقتناؤها، ولا يجوز الاشتغال بها؛ لأن فيها بلاء وفيها قدحاً في خير القرون، وقد قال أبو زرعة الرازي رحمة الله عليه: إذا رأيتم من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق.
وذلك أن الكتاب حق والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.
فالشخص الذي كلامه غير سليم لا يجوز الاشتغال بكلامه ولا الالتفات إليه؛ لأن أهل السنة والجماعة طريقتهم أن تكون ألسنتهم سليمة وقلوبهم سليمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (العقيدة الواسطية): (ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فهذا من أصول أهل السنة والجماعة، القلوب سليمة والألسنة سليمة، القلوب سليمة من الغل والحقد والغيظ والألسنة سليمة من القدح والذم والشتم والعيب، ولهذا ذكر الله عز وجل في سورة الحشر ثلاث آيات، آية في المهاجرين، وآية في الأنصار، وآية في الذين يأتون بعدهم مستغفرين لهم سائلين الله أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم فقال تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) يعني: من بعد المهاجرين والأنصار ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) فهذه سلامة الألسنة، الألسنة سليمة نظيفة لا تذكرهم إلا بخير ولا تتحرك إلا بالثناء عليهم والدعاء لهم {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:١٠] وهذه سلامة القلوب من الغل والحقد والغيظ، فهذه هي أصول أهل السنة والجماعة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
ويقول الطحاوي في عقيدة أهل السنة والجماعة: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبهم)، أي: نحبهم فلا نبغضهم، ومع حبنا لا نتجاوز الحدود، فقوله: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يخرج طرف الجفاء وجانب الجفاء، فنحن نحب فلسنا مبغضين ولسنا جفاة، بل نحن محبون، ولما كان الحب ينقسم إلى قسمين: حب باعتدال وحب بغلو وإفراط قال: (ولا نفرط في حبهم).
إذاً: خرج الطرفان المذمومان، طرف الإفراط وطرف التفريط، طرف الغلو وطرف الجفاء.
قال: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم) فمن ذكرهم بغير الخير فنحن نبغضه، ومن ذكرهم بسوء فنحن نبغضه، قال: (وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) لأنهم هم الذين جاءوا بالدين، فما عرفنا الدين إلا عن طريق الصحابة، فحبهم دين وإيمان؛ لأن الإيمان والدين ما عرفا إلا عن طريق الصحابة، والحق ما عرف إلا عن طريق الصحابة، والنور الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وقال عنه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} [التغابن:٨] ما عرفه الناس إلا عن طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
فلا يلتفت إلى الكلام الذي فيه نيل من الصحابة، والفتن التي كانت في أيام أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- قد صان الله منها أيدينا؛ لأننا ما كنا في زمانهم حتى نشارك فيها، فقد صان الله منها أيدينا، فنسأله أن يصون عنها ألسنتنا، فالذي بقي معنا هو الألسنة، فالأيدي سلمت لأنها ما وجدت في ذلك الزمان حتى تشارك وحتى يكون لها نصيب من تلك الفتنة، فنسأله تعالى أن يصون عنها ألسنتنا.
فهذه طريقة أهل السنة والجماعة، لا أن يقوم الإنسان ليفتح فاه ويحرك شفتيه ويحرك لسانه في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، بل سائر الناس لا يتكلم الإنسان فيهم، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، فكيف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، الذين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فنحن لا نريد أن نسمع شيئاً من التكلم في الصحابة بما لا ينبغي، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، سواء سمعنا أو ما سمعنا.