[شرح حديث أبي بكرة في النهي عن قيام الرجل للرجل من مجلسه]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقوم للرجل من مجلسه.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن أبي عبد الله مولى آل أبي بردة عن سعيد بن أبي الحسن قال:(جاءنا أبو بكرة رضي الله عنه في شهادة، فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الرجل يقوم للرجل من مجلسه، أي: أن الذي ينبغي للإنسان أنه إذا كان في مجلس ودخل داخل فإنهم يتفسحون ويوسعون المجلس، حتى يجلس الذي دخل في المكان الذي حصل مع التوسع، وأما كونه يقوم إنسان من مكانه أو يقام إنسان من مكانه فهذا هو الذي جاء النهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المطلوب هو أن يوسع الناس بعضهم لبعض، بحيث يستوعبهم المكان حيث أمكن ذلك، وقد جاءت السنة بذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أمر عليه الصلاة والسلام أن يتفسحوا في المجالس، أي: يوسعوا، وأن ينضم بعضهم إلى بعض بحيث يجلس من دخل دون أن يقوم أحد ويذهب عن مكانه إلى مكان آخر أو إلى خارج المكان.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بكرة أنه جاء في شهادة، أي: يؤدي شهادة كانت عنده، وأن رجلاً قام عنه ليجلس مكانه، فأبى أبو بكرة رضي الله عنه أن يجلس وقال:(إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا) يعني: نهى عن أن يقوم إنسان ويجلس آخر مقامه، فلم يجلس أبو بكرة رضي الله عنه، وأخبر بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
والحديث فيه ضعف، ولكن قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، ومنها ما سيأتي بعد ذلك.
وقوله:(ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه) يعني: إذا كانت يده ملوثة بطعام أو غيره فلا يمسحها بثوب من لم يكسه، أي: من ليس له عليه ولاية، أما من له عليه ولاية مثل أن يكون ولده أو خادمه، أو غلامه، فهذا هو الذي يكسوه، ولكنه إذا كان كسا إنساناً وأحسن إليه، فليس من الأدب وليس من اللائق أن يحسن إليه ثم يسيء إليه؛ لكونه يمسح يده الملوثة بثوب ذلك الذي أحسن إليه، بل من تمام الإحسان أن يبقى على إحسانه إليه، وألا يحصل منه ذلك الشيء الذي قد يسيء إليه، وإنما يمسح بثوبه هو، أو يسمح بشيء آخر، وأما كونه يمسح بثوب غيره إذا كان ولده أو غلامه فالأمر في ذلك سهل، وهذا عندما تدعو الحاجة إليه؛ لأن مثل هؤلاء لا يتأثرون بمثل ذلك لو حصل، وأما إذا كان لم يسكه أصلاً، أو كساه إياه ولكنه ليس له عليه ولاية، فإن هذا من إتباع الإحسان بالإساءة؛ لأن هذا فيه شيء من الإساءة، وقد يتأثر الإنسان بذلك ويتضرر.
ولكن هذا الحديث كما هو معلوم ضعيف، والجملة الأولى منه جاء ما يدل عليها في أحاديث أخرى، وأما قضية المسح في الثوب فهو من هذه الطريق، والطريق فيها رجل متكلم فيه.