[شرح حديث أبي هريرة في اتخاذ الكلب للصيد]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الصيد.
باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط)].
لما ذكر أبو داود رحمه الله كتاب الأضاحي عقبه بكتاب الصيد، وفي ذلك تناسب؛ لأن كلاً منهما يذبح ويستفاد منه، لكن الصيد لما كان من قبيل المتوحش أفرده بكتاب يخصه فقال: [كتاب الصيد].
والصيد اسم لكل حيوان متوحش سواء كان من ذوات الرجلين كالطيور، أو الأربع كحمر الوحش والغزلان والأرانب وغير ذلك، فهو المتوحش غير المستأنس الذي يألف الناس ويكون معهم كالحيوانات المستأنسة.
والمتوحشة هي التي تنفر من الناس وتهرب منهم، فصار لها أحكام تخصها، وهي أحكام الصيد.
والصيد يطلق على الاصطياد ويطلق على الحيوان المصيد، ومن إطلاقه على الاصطياد ما جاء في الحديث: (إلا كلب صيد) يعني: كلباً يتخذ للاصطياد، وأما إطلاقه على المصيد فمنه قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:٩٥]، وقوله: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة:٩٤].
وقد أورد أبو داود باباً في اتخاذ الكلب للصيد وغيره، أي لغير الصيد من الزرع والماشية، هذا المقصود بقوله [وغيره]، ولكنه أورده هنا من أجل أن له تعلقاً بالصيد، فنص على الصيد وأبهم غيره بقوله: [وغيره]، وقد أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع، انتقص من أجره كل يوم قيراط)].
والحديث يدل على أنه لا يجوز اتخاذ الكلاب إلا لهذه الأغراض الثلاثة التي وردت في هذا الحديث، وهي كونه للزرع وللماشية وللصيد.
وفيه أن اقتناءها لغير هذه الأمور يترتب عليه انتقاص الأجر، وأنه كل يوم من الأيام ينقص من أجره قيراط، ومعنى هذا أن اقتناءه واتخاذه لغير هذه الأمور يلحق به مضرة وهي انتقاص أجره، ومعلوم أن الإنسان أحوج ما يكون إلى أن يبقي على أجره، فإذا كان اقتناء هذا الحيوان لغير هذه الأغراض فيه هذه العقوبة؛ فإن اللائق بالمسلم أن يبتعد عن اتخاذه إلا لهذه الأغراض التي جاءت في هذا الحديث، وكذلك ما يشبهها أو يلحق بها من اتخاذ الكلاب لمعرفة الأشياء التي يحتاج إلى معرفتها، كالكلاب التي يتعرف بها على المخدرات وعلى الأشياء التي فيها ضرر على الناس، فإذا ترتب على ذلك مصلحة وجربت لذلك؛ فإن ذلك من الأمور التي يحتاج إليها الناس لاكتشاف تلك الأوبئة والأمور المحرمة التي تكشفها عن طريق حاسة الشم التي جعلها الله تعالى فيها.
وقد جاء في الحديث أن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه كلب، ولما تأخر جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم كان سبب ذلك أنه كان في بيته جرو كلب تحت السرير، فإذاً: من أضرار اتخاذ الكلاب لغير الأغراض المذكورة في الحديث أن البيت لا تدخله الملائكة.
قوله: [(من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع)].
كلب الماشية هو الذي يكون مع الغنم لحراستها.
وكلب الزرع الذي يكون في البساتين لحراستها ممن يأتي إليها ويحصل منه الاعتداء عليها.
وكلب الصيد هو الذي يتخذ للصيد، وهو الكلب الذي يعلم لذلك، وستأتي أحاديث عديدة تتعلق بالكلاب وما يحل من صيدها وما لا يحل.
قوله: [(انتقص من أجره كل يوم قيراط)].
القيراط مقدار من الأجر الله تعالى أعلم به، ولكن عندما يعرف الإنسان أن في ذلك الاتخاذ نقصاً من أجره؛ فالذي يقتضيه العقل السليم والفهم الصحيح ألا يعرض نفسه لانتقاص أي شيء من أجره ولو كان ذلك المنتقص قليلاً.
وقد جاء في الحديث: (من صلى على الجنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراط يا رسول الله؟! قال: مثل جبل أحد)، فقدر القيراط هناك بجبل أحد، ولكن لم يقدره هنا.