للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (قومي فقبلي رأس رسول الله)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا هشام بن عروة عن عروة أن عائشة قالت: (ثم قال: -تعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أبشري يا عائشة فإن الله قد أنزل عذرك، وقرأ عليها القرآن، فقال أبواي: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أحمد الله عز وجل لا إياكما)].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها لما نزلت براءتها مما رميت به من الإفك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تألم وتأثر وجعلها تذهب إلى أهلها وتبقى عندهم، وكان لا يعلم الحقيقة والواقع، وهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، ولهذا لم يكن يعرف حقيقة ما حصل لـ عائشة، ولهذا قال لها عليه الصلاة والسلام: (يا عائشة! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه)، إذ لو كان يعلم الغيب لم تكن هناك حاجة إلى أن يقول لها هذا الكلام، وإنما بمجرد ما يأتيه الناس الذين قالوا ما قالوا في عائشة، يقول: أنا أعلم الغيب وما حصل هذا الشيء، لكنه تألم وتأثر واستشار في طلاقها، وقال لها هذه المقالة: (إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه)، ومكثت مدة حتى أنزل الله براءتها، ثم جاء وبشرها بالآيات التي نزلت في براءتها مما رميت به، فقال لها أبواها: (قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أحمد الله عز وجل لا إياكما)].

أي: أن الله هو الذي مَنَّ عليّ وهو الذي أظهر وأنزل براءتي، وكانت رضي الله عنها وأرضاها تقول: إنها كانت تتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئها الله بها، ورؤيا الأنبياء وحي، ثم قالت رضي الله عنها من تواضعها وتهوين شأنها في نفسها وبعدها عن التكبر: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، يعني: أنا لا أستحق أن ينزل في قرآن.

وابن القيم رحمه الله لما ذكر في كتابه: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، عند ذكر الصلاة على الآل ذكر ترجمة مختصرة لكل واحدة من أمهات المؤمنين أشار فيها إلى شيء من مناقبها وفضائلها، وكان مما ذكره في عائشة: تواضعها وأنه لما نزل فيها القرآن قالت: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، وهذا شأن أولياء الله يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، فهي في المنزلة الرفيعة والمنزلة العالية، ومع ذلك تقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى.

ولهذا يقول ابن القيم: فأين هذا ممن يصوم يوماً أو يصلي ركعات، ثم يقول: أنا عملت كذا وكذا أو أنا كذا وكذا وهي هذه حالها وهذا شأنها ومع ذلك تقول هذه المقالة.

والحديث فيه جواز تقبيل الرأس لأنه قال: (قبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم).

والحديث فيه دليل على تقبيل الزوجة رأس زوجها ولكن لا يدل على أن على كل من يبشر بأي شيء يسر أن يقبل رأس البشير، وإنما جاء هذا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لمنزلته ولعلو مكانته، وقد يكون المبشر صغيراً والمبشر كبيراً فالعكس هو المناسب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>