للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب طواف القارن.

حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً، طوافه الأول)].

قوله: [باب طواف القارن].

يراد بالطواف هنا السعي بين الصفا والمروة، ويراد به الطواف بالبيت، والقارن هو الذي يقرن بين الحج والعمرة ويلبي بهما، ويجب عليه هدي، وهذا ليس عليه إلا طواف واحد وسعي واحد، طواف للحج والعمرة، وسعي للحج والعمرة، فهذا وجه تسميته قراناً؛ لأنه قرن بين الحج والعمرة ووحدت أعمالهما ولم يتميز عمل العمرة من عمل الحج، الذي هو الطواف والسعي؛ فصار الطواف والسعي للحج والعمرة واحداً، الطواف الذي هو طواف الإفاضة، والسعي الذي يكون بعد طواف القدوم أو يكون بعد طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الحجاج جميعاً ومنهم القارنون، ولا يكون إلا بعد عرفة ومزدلفة، وهو الذي ذكره الله بقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩].

وكذلك السعي أيضاً يقال له: طواف، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا طوافهم الأول، أي: الذي مع طواف القدوم ولم يسعوا بعد طواف الإفاضة.

فالقارن عليه سعي واحد وله محلان: بعد طواف القدوم، وبعد طواف الإفاضة، فإن فعله في المحل الأول لم يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول، أو لم يأت مكة إلا بعد الوقوف بعرفة فإن السعي يكون بعد طواف الإفاضة.

إذاً: القارن عليه طواف واحد وهو طواف الإفاضة لحجه وعمرته، وعليه سعي لحجه وعمرته، والسعي له محلان: محل بعد القدوم ومحل بعد الإفاضة، إن فعل في المحل الأول لا يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول تعين أن يفعله في المحل الثاني.

قوله: [(لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً)] يعني: أنه ليس عليهم سعي إلا الذي حصل مع طواف القدوم، وهذا في حق القارنين والمفردين الذين ساقوا الهدي، أما الذين لم يسوقوا هدياً فإنهم تحولوا إلى عمرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فصاروا متمتعين، فيكون حكمهم حكم الذين كانوا متمتعين من الأصل من الميقات كأمهات المؤمنين؛ لأنهن كن متمتعات من الميقات أحرمن بعمرة، والذين دخلوا مكة ولم يكن معهم هدي وهم قارنون أو مفردون أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة وأن يكونوا متمتعين، ولم يبق على الإحرام إلا من كان قد ساق الهدي؛ لأن الذي ساق الهدي ليس له أن يتحلل إلا يوم النحر حيث يبلغ الهدي محله، ومعلوم أن القارن عليه هدي كما أن المتمتع عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>