قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حتى متى يكون لها الخيار؟ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد -يعني: ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر وعن أبان بن صالح عن مجاهد وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث رضي الله عنه عبدٌ لآل أبي أحمد، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال لها: إن قَرِبَك فلا خيار لك)].
يقول الإمام أبو داود رحمه الله:[باب حتى متى يكون لها الخيار؟] أي: الأمة التي كانت هي وزوجها مملوكين، فأُعتقت هي وبقي زوجها في العبودية فإنها تخير، فهل يكون لها الخيار دائماً وأبداً، بحيث إنها متى أرادت الخيار يكون لها الخيار أم أنه يكون لها الخيار في وقت ويسقط فيما بعد؟ الأظهر في هذه المسألة: أن لها الخيار ما لم تمكنه من نفسها، فإذا مكنته من نفسها فهي راضية بالبقاء معه، فيسقط خيارها، وليس لها هذا الحق دائماً باستمرار، فإنها حين تمكنه من نفسها تكون قد رضيت بالوضع الذي كان عليه، فيسقط حقها فيما بعد، مثل السلعة التي تباع وهي معيبة، فإن المشتري إذا رضي بالعيب فإن البيع يثبت، وإن رد ولم يرضَ بالعيب وكان ذلك العيب مما تُرد به السلعة فإنها تُردّ.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم خيرها وأنها اختارت نفسها، وقال:(إن قَربكِ فلا خيار لكِ) يعني: إن حصل منه الجماع، وحصل التمكين له، فإنه لا خيار لها؛ لأنها تكون بذلك أسقطت حقها.
هذا هو الذي يدل عليه الحديث، فمقتضى الحديث أنها إن مكنته من نفسها فإنها تكون بذلك قد سقط خيارها؛ لأنها لم تختر نفسها.
والحديث ضعفه الألباني من أجل عنعنة محمد بن إسحاق الراوي في الإسناد؛ لأنه روى بالعنعنة، وهو صدوق مدلس، فإذا روى بالعنعنة فإن ذلك يكون علة في الرواية؛ لكن من حيث الحكم فيما يبدو ويظهر أن مقتضاه هو الأولى، وأن هذا من جنس الرضا بالسلعة المعيبة، فإنه لا يكون للإنسان الرد متى شاء، وإنما يكون الرد أول ما يعلم بالعيب، فإن رضي أن تبقى عنده، وأن يمضي البيع ولو كانت السلعة معيبة، فإنه يسقط حقه في رد تلك السلعة.