للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (قولي لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث حبستني)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاشتراط في الحج.

حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنهما أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحج أأشترط؟ قال: نعم، قالت: فكيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك! ومحلي من الأرض حيث حبستني)].

أورد أبو داود رحمه الله باب: الاشتراط في الحج، والاشتراط في الحج هو أن يقول المشترط: لبيك عمرة، أو لبيك حجاً، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو فمحلي من الأرض حيث حبستني، هذا هو الاشتراط في الحج.

في هذا الحديث أن ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إني أريد الحج أأشترط؟ قال: نعم، قالت: فكيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك! ومحلي من الأرض حيث حبستني).

وضباعة بنت الزبير رضي الله تعالى عنها هي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، أبوها -وهو الزبير لم يدرك الإسلام، والذين أدركوا الإسلام من أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وهم: حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب، فاثنان وفقا، واثنان خذلا.

وقال الحافظ ابن حجر: من عجيب الاتفاق أن اسمي اللذين وفقا توافق أهل الإسلام، واسمي اللذين خذلا توافق أسماء الكفار، فواحد اسمه عبد مناف، وهو أبو طالب والثاني عبد العزى، وهو أبو لهب، واللذين وفقا ودخلا في الإسلام هما العباس وحمزة، وهذان الاسمان يوافقان أسماء أهل الإسلام.

قوله: (لبيك اللهم لبيك! ومحلي من الأرض حيث حبستني) أي: في أي مكان يحصل لي فيه مانع، فذلك محلي الذي أتحلل فيه، فينتهي ذلك النسك بناءً على هذا الاشتراط.

وقد اختلف العلماء في مسألة الاشتراط، فمن العلماء من قال بعدم الاشتراط، ولعلهم لم يبلغهم الدليل، أو بلغهم من وجه لا يصح، ومنهم الشافعي، وكان رحمه الله يقول: إذا صح الحديث قلت به، قال بعض أصحابه: وقد صح الحديث فهو مذهب الشافعي، أي: حكماً؛ لأنه علق القول به على صحته، وقد صح فهو إذاً مذهبه.

وقال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث في (فتح الباري): وقد جمعت الأقوال التي قال فيها الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي في كتاب، وذكرت ما صح فيها من الأحاديث، وكان بعض أصحاب الشافعي يقولون كما في هذه المسألة: إذا صح الحديث فهو مذهب الشافعي، مثل مسألة الوضوء من لحم الإبل، فقد علق القول بوجوب الوضوء على صحة الحديث، قالوا: وقد صح الحديث فهو مذهبه، وهذا بناءً على قوله.

وقال بعض أهل العلم: إنه لا يشترط إلا من كان بحاجة إلى الاشتراط، كحال ضباعة رضي الله عنها.

وقال بعض أهل العلم: إن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لواحد هو كلام للجميع؛ وكل أحد يجوز له أن يشترط.

وهذا الشرط يفيد المشترط أن يتحلل إذا أراد ويترك إحرامه، ولا شيء عليه.

قال بعض أهل العلم: إن الحابس إنما يكون في الحصر والمنع من البيت، ولكن حديث ضباعة ليس في حصر بالعدو، وإنما فيه حصر بالمرض.

ولو أن شخصاً اشترط فتعطلت سيارته فالذي يبدو أنه ليس له أن يحل؛ لأنه يمكن أن تصلح السيارة، ويمكن أن يركب في سيارة أخرى، فليس هناك شيء يمنعه من أن يواصل السير.

وإذا كان المانع مرضاً لا يمكنه أن يذهب بسببه إلى مكة فلا بأس، وإذا كان مرضاً خفيفاً فإنه يذهب ويطاف به محمولاً، ويسعى محمولاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>