لاشك في أن السنة مستقلة، ولا يمكن أن يستغنى بالقرآن عن السنة، ومن آمن بالقرآن ولم يؤمن بالسنة فهو كافر بالقرآن والسنة؛ لأن السنة هي وحي من الله عز وجل، والله تعالى يقول:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣ - ٤].
وهناك أمور معلومة من دين الإسلام بالضرورة، وما علمت إلا عن طريق السنة، ومن ذلك أعداد الصلوات، فليس في القرآن أعداد الصلوات بكون الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والفجر ثنتين، فهذا لا يوجد في القرآن وإنما هو موجود في السنة.
فالذي يقول: إنه يؤمن بالقرآن ولا يؤمن بالسنة كيف يصلي؟ وما هي الكيفية التي سيصلي بها في الصلوات الخمس المفروضة التي فرضها الله على العباد؟ إن هذا لا يوجد إلا في السنة، ولهذا فالسنة حجة قائمة بنفسها، وهي شقيقة القرآن، وكلها من الله عز وجل، كما قال عز وجل:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣ - ٤].
فليست من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما هي من عند الله، والذي أوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها ولم يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بتلاوة القرآن، ومن حيث العمل كل منهما يجب العمل به، وهي شقيقة القرآن، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن وكذب به، ولا سبيل إلى تنفيذ القرآن إلا عن طريق معرفة السنة.
والاستغناء بالقرآن عن السنة يؤدي إلى عدم الإتيان بالأمور الواجبة، فكيف يزكي الإنسان الزكاة؟ إذ ما عرفت مقاديرها وأنصبتها ومقدار ما يزكى إلا بالسنة، وهكذا الحج وتفاصيله وما إلى ذلك لا يعرف إلا بالسنة.
ولا تعرف كيفية الصلاة إلا عن طريق السنة، بل أعداد الركعات لا تعرف إلا بالسنة، وليست في القرآن، ولكن الصحابي في هذا الحديث فهم أن الآية جاء فيها التقييد بالخوف والناس يقصرون مع وجود الأمن، فـ عمر رضي الله عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إنها رخصة، يعني: ثبت بالسنة أن الناس يقصرون في حال الأمن كما يقصرون في حال الخوف، والقصر الذي جاء في القرآن محتمل لقصر العدد ولقصر الكيفية، والكيفية واضح القصر فيها بلا إشكال؛ لأن الآية إنما جاءت في الخوف، والآية التي بعدها في صيغة صلاة الخوف، وأن الخوف يصلى على هيئات معينة حيث خفف الله عز وجل عن الناس في الخوف، وكذلك -أيضاً- في حال شدة القتال فإن الناس يصلون ركباناً وراجلين، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، يومئون إيماءً، ولا يؤخرون الصلوات عن أوقاتها، فالسنة -كما هو معلوم- هي شقيقة القرآن ولا يستغنى عنها، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن وكفر بالقرآن ولا يعتبر مسلماً.
وقد ألف في ذلك العلماء، وممن ألف في ذلك السيوطي رسالة قيمة أسماها:(مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) وأتى بنقول كثيرة كلها تدل على حجية السنة، وعلى أنها مستقلة في بيان الأحكام، وأن القول بأنه لا يعول عليها وإنما يعول على القرآن قول في غاية السوء، ووصفه بأوصاف ذميمة في غاية السوء.