[شرح أثر عمر (ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً الفيء فقال: ما أنّا بأحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا بأحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته].
أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم) يعني: إنما هو لي ولكم.
(وما أحد منا أحق به من أحد) يعني: ليس أحد يختص به دون أحد، لا أنا ولا غيري، وإنما هو للجميع، ولكن التفاوت بين الناس على حسب ما جاء في كتاب الله من التفضيل والتمييز، وكذلك القسم على حسب الأحوال.
(فالرجل وقدمه) يعني: كونه له سبق في الإسلام فيقدم على غيره، ويعطى أكثر من غيره.
(والرجل وبلاؤه) يعني: كونه يبلي بلاءً حسناً في الإسلام.
(والرجل وعياله) يعني: كونه عنده عيال كثيرون يحتاج إلى أن ينفق عليهم؛ فيزاد في عطائه من أجلهم.
(والرجل وحاجته) يعني: يعطى على قدر حاجته، ومعنى هذا أنهم يتفاوتون في العطاء، ولا يكونون كلهم على حد سواء، فالشخص الذي بمفرده غير الشخص الذي عنده عشرة أولاد، فإن هذا يحتاج إلى أكثر مما يحتاج إليه هذا، وهذا يتعلق بالقسم الأول من الترجمة، وهو ما يلزم الإمام في حق الرعية، وهو أن يعطيهم ويعدل بينهم، وله تعلق بالباب الذي بعده وهو قسمة الفيء.
قوله: [ذكر عمر بن الخطاب يوماً الفيء].
الفيء هو ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير قتال وجهاد؛ لأنه إذا كان بجهاد يسمى غنيمة ويخمس، وأما الفيء فإنه لا يخمس، وإنما كله يكون في مصالح المسلمين.
قوله: [إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم].
يعني: أنهم على منازلهم في التفضيل كما قال الله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:١٠٠]، وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر:٨]، ثم بعد ذلك قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر:٩]، ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠]، والفيء يقسم على حسب أحوال الناس من حيث العيال، ومن حيث البلاء الحسن في الإسلام، ومن حيث القدم والسبق.