يقول الخطابي: وفيه إثبات الإجارة والخلاف فيها قليل، وقد أبطلها قوم؛ لأنهم زعموا أنها ليست بعين مرئية ولا صفة معلومة؟
الجواب
نعم، الإجارة أجمع عليها العلماء، والذي يخالف فيها هم شُذاذ من أهل البدع، لا يعول على شذوذهم ولا على قولهم، وقد ذكر ذلك ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد قال: إنه خالف فيها أبو بكر بن الأصم وابن علية وقالوا: إن المعقود عليه المنفعة، والمنفعة ليست موجودة عند العقد، وأن المنفعة توجد شيئاً فشيئاً، ومعلوم أن هذا قول باطل، والناس لا يستغنون عن الإجارة، ومن الذي يستغني عن الإجارة؟! فلو كانت الإجارة ممنوعة لا تجوز فمعنى ذلك أن الإنسان لابد أن يصير عارفاً لكل المهن، وأنه لا يحتاج إلى غيره، فيكون خبازاً ويكون حداداً ويكون نجاراً ويخدم نفسه بنفسه، والناس إما أن يحسنوا إليه وأما أن يشتغلوا به بالمجان، وأما هو فيتعلم المهن كلها حتى لا يحتاج إلى الناس، وهذا غير ممكن وغير معقول، بل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض، ويكون عند هذا ما يحتاج إليه هذا، وعند هذا ما يحتاج إليه هذا، والإجارة إنما هي على المنفعة، والمنفعة توجد شيئاً فشيئاً؛ لأن المنفعة لو كانت موجودة لصار بيعاً؛ لأن البيع يكون على الأعيان الموجودة ويتم تسليمها، وأما الإجارة فإنما تسلم العين للاستفادة منها، وبعد انتهاء الأجل ترجع إلى صاحبها.
فالذين قالوا بعدم جواز الإجارة من المبتدعة: أبو بكر بن كيسان الأصم المعتزلي وإبراهيم بن إسماعيل بن علية وليس ابن علية الإمام الذي هو إسماعيل، وإنما ابنه إبراهيم، وقد ترجم له الذهبي في الميزان وقال: جهمي هالك، الذي هو إبراهيم، ولهذا عندما يأتي في مسائل الفقه في الأمور الشاذة ذكر ابن علية فالمقصود به إبراهيم الذي هو ابن إسماعيل، وأبوه إسماعيل إمام محدث مشهور، كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد، وأما ابنه إبراهيم فهذا هو المبتدع الذي قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك.