روى المصنف هذا الحديث عن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وهو الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذه المذاهب الأربعة اشتهرت بسبب أن لأصحابها أتباعاً وتلاميذ عنوا بجمع أقوالهم والروايات التي نقلت عنهم والأسئلة التي سئلوها ولا يعني هذا أنه ليس هناك علماء مثلهم، بل هناك علماء مثلهم في زمانهم وقبل زمانهم.
ومن المعلوم أن أصحاب المذاهب الأربعة وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله على الجميع، أولهم أبو حنيفة، وكانت ولادته سنة (٨٠هـ)، وآخرهم الإمام أحمد وكانت وفاته سنة (٢٤١هـ)، وقد كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أناس مثلهم في الفقه، مثل الأوزاعي في الشام، فهو إمام فقيه محدث، والليث بن سعد في مصر، محدث فقيه، وسفيان الثوري في الكوفة، وسفيان بن عيينة بمكة، وإسحاق بن راهويه في مرو، وغيرهم كثير ممن اشتهروا بالفقه، ولهذا إذا قرأ الإنسان في الكتب المؤلفة في بيان العلماء -سواء كانوا من الصحابة أو من التابعين أو من بعدهم- يجد أنه يأتي في المسائل المختلفة: قال فلان الصحابي كذا، قال فلان التابعي كذا، وقال الإمام أحمد كذا، وقال الإمام الشافعي كذا وهكذا، فهناك أناس مثلهم في الفقه ومثلهم في العلم، ولكن لم يحصل لهم مثلما حصل للأئمة الأربعة من التلاميذ والأتباع الذين عنوا بالمذهب وتدوينه وتبويبه وتنظيمه وبيان مختلف الروايات، وبيان الراجح والمرجوح والمتقدم والمتأخر والقديم والجديد، وما إلى ذلك.
وهؤلاء الأئمة الأربعة هم من أئمة أهل السنة، بخلاف غيرهم من المذاهب الأخرى التي ليست من مذاهب أهل السنة، وإنما هي مذاهب أناس خالفوا السنة، ولكن هؤلاء الأربعة هم من أهل السنة، والذين يرجعون إلى كلامهم هم أهل السنة، وعلى هذا فإن الأمر ينبغي أن يفهم، وينبغي أن يعلم أننا عندما نذكر أن هذه مذاهب أهل السنة أنه ليس العلماء المحققون مقصورين على هؤلاء الأئمة الأربعة، بل هناك كثير من أمثالهم في زمانهم وقبل زمانهم، مثل الفقهاء السبعة في المدينة، الذين كانوا في عصر التابعين وقبل الأئمة الأربعة، وكانت وفياتهم غالباً قبل المائة، وأدركوا كبار الصحابة أو متوسطيهم، فلا يقال إن الحق محصور في الأئمة الأربعة وإن غير أقوال الأئمة الأربعة لا يلتفت إليها.