شرح حديث (إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان الثوري عن أبي خالد الدالاني عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه، قال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: يا رسول الله! هذا لله عز وجل فما لي؟ قال: قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، واهدني.
فلما قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يده من الخير)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إنني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه.
وليس معنى ذلك أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئاً أبداً، ولكنه لعله في ذلك الحال لا يستطيع، ويريد أن يصلي، فيريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئاً يجزئه عن القراءة حتى يتمكن من أن يأخذ شيئاً، والذي يستطيع أن يعرف هذه الكلمات فإنه يمكنه أن يتعلم الفاتحة، فالمقصود هو التمكن من الإتيان بالصلاة قبل أن يتعلم.
وقوله: [ما يجزئني منه] أي: عنه، وليس جزءاً منه، فالرسول صلى الله عليه وسلم علمه شيئاً غير القرآن وهو التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، فكلمة (منه) تعني: بدلاً عنه، أي: يعلمه شيئاً يقوم مقام القرآن في حال قيامه.
وكلمة (منه) تأتي بهذا المعنى وهو البدل، ومنه قول الله عز وجل: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:٤٢] أي: بدل الرحمن، والمراد: من الذي يفعل هذا غير الرحمن؟ فليس هناك أحد غير الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يكلؤكم.
ومنه قول الشاعر: جارية لم تأكل المرققا ولم تذق من البقول الفستقا.
يعني: بدل البقول.
وليس معنى ذلك أنه يستمر دائماً وأبداً لا يتعلم شيئاً من القرآن ويأتي بهذه الكلمات.
قوله: [هذه لربي] أي: هذا كله ثناء على الله عز وجل وليس فيه سؤال ولا طلب شيء لي، فما لي؟ قال: [(قل: اللهم ارحمني وارزقني، وعافني، واهدني)] وهذه كلها مطالب وأسئلة من الله عز وجل تعود عليه، فقوله: (اللهم ارحمني) يطلب منه الرحمة، (وارزقني) يطلب منه الرزق الحلال، (وعافني) يطلب منه العافية والسلامة، (واهدني) أي: ثبتني على الهدى الحاصل، وزدني من الهدى، فهو يطلب التثبيت على ما قد حصل، ويطلب المزيد مما لم يحصل من الهداية، ولهذا نجد في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧] أنهم طلبوا الهداية من ناحيتين: التثبيت على الهداية الحاصلة، وطلب المزيد من الهداية.
وفي قوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:١٧] فهذا فيه التثبيت على ما هو حاصل، والمزيد مما لم يحصل.
قوله: [(فلما قام)] أي: السائل أو الرجل [(قال هكذا بيده)] وقال هنا بمعنى (فعل)، أي: فعل بيده هكذا، ففيه الإتيان بالقول بدل الفعل، يعني: قال بيده هكذا.
يعني: قبضها، كأنه قبض هذه الأشياء التي عدها وأمسكها حفظها وأبقى عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أما هذا فقد ملأ يده من الخير)].