[شرح حديث: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرار أولاهن بالتراب)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بسؤر الكلب.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة في حديث هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرار أولاهن بالتراب).
قال أبو داود: وكذلك قال أيوب وحبيب بن الشهيد عن محمد].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء بسؤر الكلب، يعني: ما حكمه؟ هل يجوز أو لا يجوز؟ وهو لا يجوز؛ لأن الأحاديث التي أوردها تدل على أنه يغسل الإناء، وأيضاً النجاسة هنا مغلظة، حيث يغسل سبع مرات وأولاهن بالتراب، وفي بعض الروايات فيه: (فليرقه)، وفي بعضها: (فليغسله)، فذكر الغسل والإراقة والطهور، وكل هذا يدل على نجاسة سؤر الكلب، وأنه لا يجوز التوضؤ به، وبعض أهل العلم قال: إنه إذا لم يجد سواه يتوضأ به ويتيمم، وهذا غير صحيح؛ لأنه مادام أنه أمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب فمعنى هذا أنه يراق، وقد جاء الأمر بالإراقة عند مسلم: (فليرقه)، ثم الإناء يغسل سبع مرات وأولاهن بالتراب، فكل هذا يدل على النجاسة، وأنه لا يجوز الوضوء بسؤر الكلب.
إذاً: فالنجاسة لسؤر الكلب جاءت من وجوه: من ذكر التعبير بالطهور، وهذا يدل على أنه نجس، وأيضاً: الأمر بالغسل، وكونه سبع مرات، وأيضاً: التتريب فيه غلظ النجاسة، وأيضاً: الأمر بالإراقة.
كل هذه أمور تدل على نجاسة سؤر الكلب، وأنه لا يجوز استعماله، ويدل أيضاً على أن النجاسة في الماء القليل تؤثر فيه وإن لم تغير لوناً ولا طعماً ولا ريحاً، كما جاء في حديث القلتين: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) فإذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث ويؤثر فيه الخبث.
ومن المعلوم أن الكلب إذا ولغ في الإناء قد لا يحصل لذلك تغيير لا في الرائحة ولا اللون ولا الطعم، ومع ذلك يكون نجساً، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة ذلك الماء الذي ولغ فيه الكلب، فهو دال على أن النجاسة إذا وقعت في الماء القليل أنها تؤثر فيه وإن لم تغير له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً، وهو مقتضى حديث القلتين.
وقوله: (طهور) هي بالضم؛ لأن المقصود به الفعل وليس المقصود به الماء، وهناك ألفاظ في حال لها معنى وفي حال آخر لها معنى آخر، مثل: الطَهور والطُهور والسَحور والسُحور والوَجور والوُجور والسَعوط والسُعوط، والوَضوء والوُضوء، كل هذه ألفاظ بالفتح اسم للشيء المستعمل، وبالضم اسم للفعل، وهنا قوله: (طهور) يعني: طهارته تكون بغسله سبع مرات.
فالمقصود به: الطهارة والفعل.
وقوله: (إناء أحدكم) هذه لا مفهوم لها، فسواء كان الإناء للإنسان أو لغيره فإن الحكم واحد.
وقوله: (أن يغسل) هنا ليس فيه ذكر الغسل، ولكن ذكر الغاسل، وفي بعض الروايات: (فليغسله) أي: صاحب الإناء، وهو لا مفهوم له؛ لأن المقصود هو التطهير، وسواء كان التطهير من صاحب الإناء أو من غير صاحب الإناء.
إذاً: قوله: (طهور إناء أحدكم) الإضافة هنا لا مفهوم لها، بل إناء الإنسان وإناء غيره يكون كذلك، ولا يلزم أن يكون صاحبه هو الذي يغسله، بل يغسله هو أو يغسله غيره؛ لأن المهم أن ذلك الإناء الذي ولغ فيه الكلب حصلت فيه النجاسة، ولابد من إزالة النجاسة بالغسل سبع مرات أولاهن بالتراب، وسواء كان ذلك الذي تولى هذا هو صاحب الإناء أو غير صاحب الإناء.
وقوله: (إذا ولغ) الولوغ هو: كون الكلب يضع لسانه في الماء ويحركه فيه ليشرب.
وقوله: [(أن يغسل سبع مرار أولاهن بتراب).
هذا يدل على شيئين: التسبيع والتتريب، التسبيع: أن يكون الغسل سبع مرات، فلا يكفي غسله مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً ولا خمساً ولا ستاً بل لابد من سبع؛ لأن الحديث ذكر فيه أن الغسل يكون سبع مرات، وأيضاً التتريب، ومعناه: أن تكون واحدة بالتراب.
ثم ما ترتيب الغسلة التي تكون بالتراب، هل هي الأولى أو الأخيرة؟ جاء في بعض الروايات: (أولاهن)، وجاء في بعضها: (السابعة)، وجاء في بعضها: (أخراهن)، ولكن الصحيح والأرجح من غيره، والذي عليه الأوثق والأكثر هي رواية: (أولاهن)، وأيضاً ترجح من حيث المعنى؛ لأن الغسلة الأولى التي فيها التراب هي التي تباشر النجاسة، فلا تكون هي الأخيرة؛ لأنها لو كانت الأخيرة لاحتيج إلى غسلة أخرى حتى ينظف الإناء من التراب، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنها سبع فقط.
إذاً: رواية: (أولاهن) هي الأرجح وهي المقدمة على غيرها من حيث الرواة من حيث العدد، ومن حيث الثقة والضبط والإتقان، وأيضاً من حيث المعنى؛ وذلك بأنه إذا دلك الإناء بالتراب فإنه يفيد في إزالة النجاسة منه، وهذه النجاسة مغلظة، وعلى هذا فلابد من التسبيع والتتريب.
بعض أهل العلم قال: إن المقصود هو الإزالة فتكون الأشنان وغيرها من الأشياء تقوم مقامه، ولكن الحرص على الإتيان بالشيء الذي جاء به الحديث لاشك أنه الأولى.
وغسلة التتريب هي واحدة من السبع وهي الأولى، لكن جاء في الرواية الأخيرة من هذا الباب: (وعفروه الثامنة بالتراب) والمقصود: أن الأولى أن يباشر التراب الإناء، فيكون هذا كأنه ثامنة ويصب عليه الماء، فتكون هذه هي الأولى، فهي تبع باعتبار أن الأولى مكونة من شيئين من تراب وماء، وليس المقصود أنه يؤتى بسبع ثم يؤتى بعد الانتهاء من السبع بالتراب؛ لأن هذا يحتاج إلى غسلة أخرى فيكون في ذلك أكثر من ثمانٍ، ولكن كما قلنا: الرواية الأرجح هي: (أولاهن)، وعلى هذا فإن الثامنة ليس المقصود بها أنها إذا انتهت السبع يترب، وإنما يترب في الأول كما جاء في الروايات التي هي أرجح من غيرها: (أولاهن بالتراب) فتكون الأولى مكونة من شيئين: من تراب ومن ماء، فصارت كأنها ثمانٍ وهي في الحقيقة سبع.