للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (المؤمن مرآة المؤمن)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النصيحة والحياطة.

حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب عن سليمان -يعني ابن بلال - عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه)].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في النصيحة والحياطة، أي: ينصح الإنسان لأخيه ويكون ناصحاً له، وهذا من مقتضى الأخوة، وقد جاءت أحاديث كثيرة في النصيحة، منها الحديث المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، ومنها قول جرير رضي الله عنه: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)، وكذلك الحديث الذي فيه: (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم، ومنها النصيحة)، وغير ذلك من الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة: (المؤمن مرآة أخيه) ومعلوم أن كونه مرآة أخيه يعني أنه ينصح له، وأن يكون له مثل المرآة، فإن الإنسان إذا وقف أمام المرآة عرف ما فيه من خلل ومن عيب ومن شيء يحب إزالته؛ لأنه رآه بنفسه، ومعلوم أن الإنسان لا يرى ما فيه مما هو ظاهر إلا إذا وقف أمام المرآة، لكن غيره إذا رآه يراه في كل وقت وفي كل حين، فهو ينبهه على ما فيه من خلل وعلى ما فيه من نقص، وينصحه، ويكون عوناً له على ما يعود عليه بالخير؛ وذلك بأن يكون عوناً له على طاعة الله عز وجل وعلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحذره من معصية الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ويأمره أن يكون على استقامة وعلى هدى، فيسعى جاهداً إلى أن يكون مع أخيه على هذه الهيئة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (المؤمن مرآة أخيه)، فكما أن الإنسان يرى ما يحتاج إلى تداركه بنفسه إذا وقف أمام المرآة، فإن غيره إذا رآه وفيه شيء فينبغي أن يزيله عنه، وهو قد لا يدري عنه فعليه أن ينبهه عليه، وإذا كان يرى فيه خللاً فيما يتعلق بدينه وعبادته ورأى نقصاً في دينه، فإنه ينبهه على ذلك، وهذا يدخل تحت هذا التشبيه من رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: (المؤمن مرآة أخيه).

وقوله: (والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته) أي: يكون عوناً له على المحافظة على كل ما من شأنه المحافظة عليه.

وقوله: (ويحوطه من ورائه) المقصود من حياطته التي جاءت في الترجمة بعد كلمة النصيحة: أنه ينصح له في حضوره وفي غيابه، وإذا كان وراءه فإنه يذب عنه ويكف عن عرضه ولا يلحقه ضرر منه، وإذا حصل من غيره ضرر له فإنه يعمل على نصح ذلك الذي حصل منه تلك الغيبة أو النميمة أو غير ذلك من الأشياء، فيدافع عنه سواء كان ذلك في حضوره أو في غيابه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>