قال المصنّف رحمه الله تعالى: [باب الصفوف بين السواري.
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن يحيى بن هانئ، عن عبد الحميد بن محمود أنه قال: صليت مع أنس بن مالك رضي الله عنه يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس:(كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى:[باب الصفوف بين السواري].
والسواري هي: الأعمدة التي تكون في المسجد، والصف بينها لا يجوز؛ لأنها تقطع الصفوف، لكن إذا كان المسجد قد امتلأ، واستكملت الصفوف بالمصلين، واحتاج الناس إلى أن يصفوا بين السواري فلهم ذلك، لكن لا يصف المرء منفرداً بين العمودين، وإنما يصف اثنان فأكثر؛ حتى لا يكون المصلي وحده منفرداً.
إذاً: فالصلاة بين السواري لا تسوغ؛ لأنها تقطع الصفوف، ولكنها تجوز عند الحاجة إليها، وذلك عند امتلاء المسجد، واحتياج الناس إلى ذلك كما هو الحال في المسجد الحرام والمسجد النبوي في موسم الحج، حيث يكثر الناس، ويمتلأ المسجد، ويحتاج الناس إلى أن يصفوا بين السواري، فإن ذلك سائغ ولا بأس به.
وكذلك إذا صلى الإنسان منفرداً متنفلاً، أو مفترضاً منفرداً قد فاتته الصلاة، فإذا صلى بين ساريتين إلى سترة فإنه لا بأس بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى في الكعبة بين عمودين، فإذا صلى المنفرد بين عمودين فلا بأس بذلك؛ لأن المحذور هو تقطع الصفوف، والمنفرد ليس له شأن في هذا، ولكن كونه يصلي إلى عمود أو سارية يجعلها سترة له هو الأولى.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الحميد بن محمود أنهم كانوا يدفعون من بين السواري، فإما أن يتقدموا وإما أن يتأخروا.
قوله:[فدفعنا إلى السواري] يعني: عما بين السواري، وقوله:[فتقدمنا أو تأخرنا] أي: تقدموا إلى ما قبل السواري، أو تأخروا إلى ما بعد السواري من الصفوف، ولم يمكَّنوا من أن يصفوا بين السواري؛ لأنها تقطع الصفوف، لكن هذا حيث يكون المسجد فيه سعة، ولا يحتاج الناس إلى الصلاة بين السواري.
ثم روى عن أنس قوله: [(كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يعني: كنا نتقي أن نصف بين السواري، وإنما نصف في الصفوف المتصلة التي لا تكون بين السواري.